إحسان خلق الإنسان

الناشر

بدون ناشر فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٦ م

مكان النشر

الرياض

تصانيف

إحسان خلق الإنسان تأملات في سر تنويع شعر الإنسان وظهور حكمة الرحمن سبحانه في خلقه وجميل صُنعه فتوى أجاب عليها فضيلة الشيخ عبد الكريم بن صالح الحميد حفظه الله تعالى

1 / 2

بسم الله الرحمن الرحيم السؤال ما هو سر الأمر بإعفاء اللحى والنهي عن الحلق أو القص مع أنه شعر سواء تُرك أو أزيل فالأمر واسع، وما حكمة تعلق الشريعة بالخِلْقة والطبيعة في مثل هذه المسألة، أم أن ذلك لا يعدو أن يكون أمرًا ونهيًا لمجرد تكليف العبد .. وهل يطيع فيثاب أم يعصي فيعاقب؟، فلقد كثُر الذين يحلقون لحاهم والذين يقصونها، وكل واحد من هؤلاء يقصد تحسين صورته وأنهم إنما أقدموا على ذلك لهذا القصد، ولهم في هذا جدل يطول وصفه. فما قولكم في ذلك –جزاكم الله خيرًا، ونفع بكم-؟.

1 / 3

الجواب الحمد لله رب العالمين. قال تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (١)، وقال سبحانه: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) (٢)، وقال ﷿: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (٣). لقد أصبح حلق اللحى في هذا الزمان من مظاهر التجمل والتزين!، ولم يسبق لزماننا مثيل في التميّز بهذا المنكر من حيث الكثرة والاستحسان!؛ وهذا الفعل القبيح من جملة أفعال المترفين القبيحة، ولذلك جاء ذكرهم في القرآن الكريم في كل مواضعه العديدة مقرونًا بالذم لهم، مثل قوله تعالى:

(١) سورة السجدة، من الآية ٧. (٢) سورة غافر، من الآية: ٦٤. (٣) سورة النمل، من الآية: ٨٨.

1 / 4

(إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ، كَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) (١). ولننظر الآن في هذا المنكر شرعًا وطبعًا، حسنًا وقبحًا: فيقال لحالق لحيته: هل تُقر أن الله أحسن كل شيء خلقه كما قال تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)، وأنه صوّر عباده فأحسن صورهم كما قال تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)، وأنه أتقن كل شيء خلقه (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (٢)، وأنه حكيم لا تخرج ذرة في الوجود عن مقتضى حكمته، وأنه عليم بكل شيء، وأنه هو الذي يصوّر عباده في الأرحام كما قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) (٣)؟!. وبما أن الأمر كذلك، ولا يُنكره إلا كافر بالله العظيم؛

(١) سورة الواقعة، الآية: ٤٥، ٤٦. (٢) سورة الواقعة، الآية: ٤٥، ٤٦. (٣) سورة آل عمران، من الآية: ٦.

1 / 5

فيقال لك هنا: يراد منك أن تتفكر بقبيح صُنعك وسيء عملك بقليل تفكّر ويسير تدبّر في الأمثلة التالية: المثال الأول: منع المرأة شعر اللحية: أليس الذي خلق لك شعر اللحية هو الذي منعها المرأة!، وبما أن الأمر كذلك فلك أن تتصور امرأة بلحية، فهل يستحسن ذلك أحد؟!، ستقول: بل لا أحد إلا ويستقبح ذلك ويراها مُثْلًة وتشويهًا؛ وبما أن الأمر كذلك فالخالق الحكيم سبحانه هو الذي فعل هذا، وقد أخبر ﷿ أن أفعاله تجري على مقتضى إحسان خَلْقه وإتقانه، وتأمل قوله سبحانه في الآيات المتقدمة "أحسن" و"أتقن". فإذا حصل تغيير الخِلْقة بحلق اللحية، فهل يحصل بذلك جمال وكمال وتحسين لصورة الإنسان؟!. فإن قلت: نعم؛ قيل لك: هذا نوع اعتراض على الخالق سبحانه واستدراك عليه، وطعن في معنى الآيات السابقة، وكأن الرب سبحانه لم يُحسن صورتك ولم يُتْقن

1 / 6

صنعك حيث أنبت في وجهك شعر اللحية ليقبح صورتك .. وأنت الذي أحسنت وأتقنت بإزالة هذا القبح!!. وإن قلت: لا .. بل يحصل بتغيير خلق الله بحلقها التشويه والتقبيح؛ قيل لك: هذا ما اخترته لنفسك بتزيين الشيطان، ويقال لك أيضًا: إعلم أن من زُيِّن له هذا العمل القبيح واستحسن هذه المُثْلة الشنيعة إنما له نصيب من معنى قوله تعالى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) (١)، وفاعل التزيين هنا محذوف وهو الشيطان كما في مواضع من القرآن الكريم مثل قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ) (٢)، وقوله تعالى: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) (٣)، ففاعل التزيين محذوف وهو الشيطان .. كما في آيات أخرى منها قوله تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ

(١) سورة فاطر، من الآية: ٨. (٢) سورة آل عمران، من الآية: ١٤. (٣) سورة البقرة، من الآية: ٢١٢.

1 / 7

أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) (١). وحيث قد ظهر في المثال السابق أن الخالق سبحانه حكيم عليم، وأنه أحسن كل شيء خلقه لأن المرأة موضع الشهوة والمزايا الأنوثية المقتضية للنعومة فلذلك منعها الله شعر اللحية، وفي المقابل الرجل .. فلأنه موضع الذكورية والمزايا الرجولية المقتضية للخشونة والقوامة جعل له لحية، فمنعها جمال وكمال للمرأة، ووجودها جمال وكمال للرجل، ولذلك فالمرأة التي لم تفسد فطرتها تستقبح وجه الرجل الذي يحلق لحيته وتزدريه –أيضًا- لتشبهه بها، فتأمل!. المثال الثاني/ رموش أجفان العين: ولننظر الآن في خلق الحكيم سبحانه شعرًا غير شعر اللحية وهو في الوجه، لنستدل على الحكمة والرحمة والنعمة وجمال الصورة، وهو رموش أجفان العين في منعها من الطول والاسترسال والمتانة أيضًا، وإيقافها على حد لا تعدوه

(١) سورة النمل، من الآية: ٢٤.

1 / 8

طول عمر الإنسان، فإنها لو طالت زيادة على حدها أو قَصُرت لحصل التشويه .. إنه لا أحد ينازع في أن رموش العين جمال وزينة، ولذلك لو تصورت أجفانًا بلا رموش لاستقبحت الصورة، وبقي عدم وجود الرموش في الأجفان مُثْلة وتشويه خلقة، كذلك لو كانت الرموش مقصوصة، فالذي جعل رموش الأجفان جمالًا وزينة هو الذي جعل اللحية للرجل جمالًا وزينة ومنعها وجه المرأة جمالًا وزينة. وليس الكلام هنا عن الوظائف الأخرى للرموش وغيرها، وإنما الكلام على الحسن والقبح وحكمة الخلاق العليم من جانب واحد في معنى الآيات السابقة التي ذكر الله فيها إحسان تصويره لمخلوقاته وإتقان صنعه. ونأتي الآن إلى المثال الثالث، وهو/ الحواجب: والكلام فيها على نسق الكلام في رموش الأجفان، وهو ظاهر إنه لو قيل لحالق لحيته: إحلق حواجبك ونعطيك ما شئت من المال الذي يغنيك لما فعل لعلمه أن ذلك تشويهًا لخلقه وتقبيحًا لصورته، ولو قيل له: حلقك لحيتك

1 / 9

أعظم في التشويه والمُثْلة لما صدق، لأن الشيطان مزيَّن له سوء عمله فيراه حسنًا!. ثم تأمل العجب في خلق الرحمن وحكمته ورحمته وقدرته، فالرأس وحده خلق الله فيه الشعر وهو جزء واحد من أجزاء الإنسان، وقد جعل سبحانه التنويع في نمو هذا الشعر في هذا الجزء ووقت نباته واتجاه نموه وكل ذلك وفق الحكمة والرحمة وإحسان الخلق وإتقانه. فشعر الرأس يبدأ نموه قبل ولادة الطفل ويستمر نموه طول عمره. وشعر اللحية للذكر لا ينبت إلا إذا كبر، ويطول غير مستمر في الطول كشعر الرأس، بل يقف عند حد حدّه له خالقه، فالذي منع نبات شعر اللحية في حال الطفولة والصبا لعدم اللياقة وعدم الحاجة لذلك هو الذي أنبت شعرها في الحال والوقت المناسب، فمنعها حكمة ورحمة ونعمة قبل

1 / 10

سن الرجولة وإنباتها في وقتها كذلك، فسبحان الذي أتقن كل شيء خلقه. أما النوع الثالث: فهو شعر الحواجب: وهذا يبدأ نموه قبل ولادة الطفل ولا يستمر في الطول كشعر اللحية ولا كشعر الرأس بل أقل. النوع الرابع: رموش الأجفان: فهذه تبدأ قبل الولادة –أيضًا-، ولكنها أقل الثلاثة الأنواع نموًا كما هو مشاهد معروف، وعند الحد الذي حدّه لها خالقها تقف. فهذا تقدير الحكيم العليم الذي أحسن كل شيء خلقه، فهل تقترح عقول العقلاء غير هذا الصنع والإتقان والإحسان! .. إذًا لتقترح العقول موضعًا للعينين غير موضعهما وشكلًا غير شكلهما!، وهكذا كل عضو وكل جزء في الإنسان.

1 / 11

ومما يدل على أن الفاعل واحد سبحانه، فقارن بين ما تقدم في الاتفاق والاختلاف والتنويع في شيء واحد وهو رأس الإنسان وبين ما ذكر الله من تنويع النبات والثمار وذلك في أرض واحدة وتسقى بماء واحد، قال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١). المثال الرابع/ الخدان: لقد منع الله تعالى نبات الشعر في الخدين جمالًا وزينة، ولو طلع الشعر في الخدين لتشوهت الخِلْقة ولشابه الإنسان الحيوان؛ كذلك الجبين وظاهر الأنف، والفاعل هو الذي خص اللحية بالشعر.

(١) سورة الرعد، من الآية: ٤.

1 / 12

المثال الخامس/ الرأس: حيث خلق الله شعره ناميًا مستمرًا في الطول، والرأس الذي لا ينبت فيه الشعر يوصف بأنه "أقرع" وكل أحد يعلم أن ذلك قبيحًا، ولذلك لا يرغب في الصَّلع وإن كان في حال الكبر. المثال السادس/ الاتجاه المختلف لنمو الشعر: وذلك في مساحة صغبرة واحدة، وكيف تتجه كل شعرة إلى ما وجهها إليه خالقها، فشعر الحواجب يتجه خِلقة إلى جانبي الرأس، وكل حاجب يأخذ شعره اتجاهًا معاكسًا للآخر، فتصور لو تقابل شعرهما كيف تكون البشاعة!، كذلك لو كان شعرهما متجهًا في نموه إلى الفوْق أو إلى الإمام كالرموش .. كيف تكون المًثْلة والبشاعة!، وانظر إلى رموش الأجفان ترى نموها إلى الأمام قائمًا، فتصور لو كان نموها كالحواجب يأخذ في الجوانب أو إلى فوق أو إلى تحت كيف تكون البشاعة، ويفوت الغَرض المراد! ..

1 / 13

فما الذي أخرج شعر اللحية عن هذا الجمال والكمال والإتقان؟!، فكما أن الخلل يظهر فيما لو تغيرت خِلقة الشَّعر كما تبين فكذلك حلق شعر اللحية فهو واضح الخلل والبشاعة، ويزيده شناعة وبشاعة مخالفة الشرع. ثم انظر طبيعة الشعر جملة كيف ترى نعومته وطراوته، ولو كان يابسًا صلبًا لتقصّف وفات الغرض المراد منه، ولو كانت نعومته كالحرير فكذلك لا يتأتى المراد منه على الكمال والزينة والجمال. فسبحان (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (١)، قال ابن كثير ﵀: (أي خلق الخليقة وسوى كل مخلوق في أحسن الهيئات) انتهى (٢). بتأمل ما تقدم وما يأتي -إن شاء الله- يُعلم أن حلق شعر اللحية مخالف للطبيعة والشريعة والجمال والكمال،

(١) سورة الأعلى، آية: ٢. (٢) تفسير ابن كثير، ٤/ ٥٠٠.

1 / 14

وأنه شنيع فظيع ومُثْلة قبيحة. هذا الكلام الذي تقدم إنما هو في الحسن والقبح في الخِلْقة والطبيعة، وبعد ذلك ننظر بتعلق الحسن والقبح في الشريعة وارتباط ذلك بعضه ببعض بمثالين خارجين عن موضوع الشَّعر لبيان ارتباط الشريعة بالطبيعة، وهما الأظافر والعقل: المثال الأول/ الأظافر: لا يخفى على أحد أنها لو تركت مستمرة في نموها وطولها لتشوهت الخلقة، وصار الإنسان يشابه الحيوانات العادية المفترسة. وليس الكلام هنا في تضرر الإنسان بتعرضها للتكسر والالتواء وتراكم الأوساخ، فليس الكلام في حكمة الله ﷿ ورحمته ونعمته فيما خلق جملة، فمن يًحصي ذلك ويقدر عليه لا سيما الإنسان .. هذا المخلوق المُعتنى به وقد

1 / 15

ذكّره خالقه سبحانه ببعض نعمه عليه وما خصه به من الألطاف فقال تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١)، وإنما الكلام فقط على حُسن الخلقة وقبحها وحكمة الله في خلقه وشرعه ورحمته وعنايته بتحسين صورة الإنسان، ولذلك جاءت الشريعة بالحكمة والرحمة والجمال والكمال بأن أُمر المسلم بقص أظافره وألا يدعها تطول، فتأمل العلاقة والارتباط بين الطبيعة والشريعة. والذي أمر بقص الأظافر مع ظهور قبح تركها هو الذي أمر بإعفاء اللحى لقبح حلقها وقصها، وقد قال تعالى: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) (٢) .. أي ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا نقص ولا عيب ولا خلل، قاله ابن كثير ﵀ في تفسيره (٣).

(١) سورة الذاريات، الآية: ٢١. (٢) سورة الملك، الآية: ٣. (٣) ٤/ ٣٦٩.

1 / 16

وهذا عام شامل في كل ما خلق الله ﷿، فهل شذّ عن ذلك شعر اللحية؟!. وإذا كانت الحال هكذا فهل يقول حالق لحيته: إن الله أحسن ما خلق وشرع في كل شيء إلا اللحية فإن إعفائها تشويه للوجه وحلقها أو قصها جمال وكمال؟! .. فيعترض على الخالق الحكيم سبحانه الذي خلقه من ماء مثل البَصْقة (١)!، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٢)، فالأمر بيّن وواضح. أو يقول: كل ما تقدم من الكلام في شعر الأجفان والحواجب والرأس واللحية ومنع الشعر في الخدود والجبين

(١) أخرج أحمد في مسنده برقم (١٧٨٧٦) والطبراني في الكبير برقم (١١٩٤) وأبو بكر القرشي في "التواضع والخمول" برقم (٢٤٥) عن بسر بن جحاش القرشي –﵁ أن النبي ﷺ بصق يومًا في كفه، فوضع عليها أصبعه، ثم قال: قال الله تعالى: (يا ابن آدم .. أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سوّيتك وعدلتك مشيت بين بُردين وللأرض منك وئيد ..) الحديث. (٢) سورة يس، الآية: ٧٧.

1 / 17

ومنع اللحية للمرأة وصفة الشعر ونموه .. كل هذا لم يحسن الله خَلْقه!، فيزيد على القدح في حكمة ربه ورحمته وإحسانه ولطفه بعباده المكابرة المحسوسة التي لا تصدر إلا عن من لا يصلح معه كلام ولا جدال!. قال الإمام ابن القيم –﵀: (ثم تأمل إذا بلغ الرجل والمرأة اشتركا في نبات العانة، ثم ينفرد الرجل عن المرأة باللحية؛ فإن الله ﷿ جعل الرجل قيّمًا على المرأة، وجعلها كالخول له والعاني "أي الأسير" في يديه، ميّزه عليها بما فيه من المهابة والعز والوقار والجلالة، لكماله وحاجته إلى ذلك، ومُنِعَتها المرأة لكمال الاستمتاع بها والتلذذ .. لتبقى نضارة وجهها وحسه لا يشينه الشعر، واشتركا في سائر الشعور للحكمة والمنفعة التي فيها) انتهى (١).

(١) مفتاح دار السعادة، ٢/ ٢١٥.

1 / 18

وقد يقول حالق لحيته: سلّمنا أن منع المرأة من اللحية جمال وزينة، فما بال العانة تشارك المرأة فيها الرجل مع أن ذلك الموضع محل الشهوة ووجود الشعر هناك فيه ما فيه!، أما كان الأوْلى على مقتضى مدار هذا الجواب الذي هو في بيان إحسان صنع الخالق سبحانه وإتقانه ما خلق أن يُمنع ذلك الموضع من الشعر كما مُنْع الوجه من شعر اللحية؟!. والجواب: أولًا: أن المسلم يُسلِّم أن ربه حكيم لا يضع شيئاُ إلا في موضعه، وهذا عام شامل في كل ما شرع وكل ما خلق سبحانه من كبير كالسموات والأرض، أو صغير كالبعوض والذرّ وأصغر منه. ثانيًا: أن المسلم يُسلّم أنه لا يشارك الله في حكمته أو علمه أو أي صفة من صفاته مخلوق لا الأنبياء ولا الملائكة المقربون فضلًا عن غيرهم، قال تعالى:

1 / 19

(وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) (١)، فهؤلاء الملائكة –﵈؛ وأخبر سبحانه عنهم أنهم قالوا: (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٢). ثالثًا: مدار هذا الجواب على إحسان خلق الإنسان، وقد جاء الكلام من هذا الجانب فقط، لأن الذين يحلقون لحاهم ويقصونها يسعون في تجميل وجوههم، ولما كان ذلك مخالف للفطرة والشِّرعة عوملوا بنقيض قصدهم بأن زيَّن لهم الشيطان صورهم القبيحة فرأوها حسنة!. رابعًا: هنا قاعدة مهمة من وفّق للعمل على مقتضاها سَلم من معارضات خالقه التي هي من ثمار جهله وظلمه (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (٣)، وهي أن المسلم بأدنى نظر

(١) سورة البقرة، من الآية: ٢٥٥. (٢) سورة البقرة، من الآية: ٣٢. (٣) سورة الأحزاب، من الآية: ٧٢.

1 / 20

وتفكر يظهر له من وتفكر يظهر له من حكمة خالقه سبحانه وعنايته في مخلوقات الكون كله وفي نفسه ما يبهر عقله، لكن قد تخفى عليه الحكمة في جزئيات المخلوقات كل بحسبه، فنها محل القاعدة المشار إليها سابقًا، وهي أن تقيس ما غاب عنك وما جهلت وجه الحكمة فيه على ما رأيته وظهرت لك الحكمة في وجوده؛ هكذا قال العلماء الربانيون. خامسًا: بعد ذلك يقال: شعر العانة للمرأة يُزال كالرجل، وهنا قد يجادل حالق لحيته بأن الإشكال باق وإن كان في إزالته تحسين خِلْقة، لكن الموضع لا يزال في استقبال شعر جديد، فالأثر موجود وقطعًا ليس كما لو مُنِع عنه الشعر بالكلية! .. فيقال: إن الدنيا ليست هي الجنة دار النعيم الكامل، وقد خلقها الله ليبتلي عباده بزينتها، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا

1 / 21