الضرورة فلا تعادوا إلى مثله ولا تجعلوه دليلا فلا يتصور في هذا الكلام طعن لا في أبو بكر ولا عمر وأما قوله يلزم خطأ أحد الرجلين لارتكاب أحدهما ما يوجب القتل فهذا كلام باطل لأن الارتكاب حال الضرورة لا ينافي تركه في غير حالها انتهى وأقول يتوجه عليه أولا إن الرواية في جميع الكتب هو الفلتة بالفاء واللام لا بالفاء والتاء والنون وإنما ارتكب الناصب إبدال الحروف وخان في النقل ليبني عليه ما يشاء من المقال وثانيا إن قوله أن النبي (ص) توفي من غير استخلاف؟؟؟ أما عند الشيعة فلما بينا من نصه على خلافة علي (ع) وأما عند أهل السنة فلما مر نقلا عن فخر الدين الرازي أنه قال أن النبي (ص) وإن لم يستخلف أحدا بالتعيين ولكنه قد استخلف بذكر الوصف والأمر بالاختيار فتأمل وثالثا أن قوله نصب الإمام ليس من الأصول مدخول من وجوه ذكرناها سابقا ومن جملتها اعتراف القاضي البيضاوي في بحث الأخبار من منهاجه في الأصول بأنه من أعظم مسائل أصول الدين ومن ههنا يعلم توجه المنع على قول الناصب ولهذا وكل أمرها إليهم إلى آخره ورابعا أنه من أين يعلم الناصب أن الأنصار لو أمروا على أنفسهم أميرا كان ذلك سبب ذهاب الإسلام وكيف علم أنه لو صار سعد بن عبادة من كبار أصحاب النبي (ص) ورئيس الأنصار خليفة لوجب تلك المفسدة مع أن الناصب حصر العسكر وأهل الحل والعقد في الأنصار ومن البين أنهم إذا رضوا به لم يقدر غيره على ذلك على المخالفة وإثارة الفتنة والفساد فظهر أن مسارعة أبي بكر إلى السقيفة إنما كان لحب الجاه والطمع في الخلافة لا لتمحلات يتكلفها له أهل الجلافة وأي فساد كان يتصور في أنه بعد ما سارع إلى السقيفة لمنع الأنصار أن تقرر معهم انتظار حضور بني هاشم وغيرهم من أصحاب النبي (ص) وأما فساد مخالفة بعض طوايف العرب فإنما نشأ لإنكارهم صحة خلافة أبي بكر وطعنهم في استحقاقه لذلك كما قدمنا بيانه عند استدلال المصنف على إمامة أمير المؤمنين (ع) بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك الآية فلو أنصفوا اعترفوا بأنه كان الواجب عليهم في ذلك اليوم أن يجتمعوا في باب دار النبي (ص) مشتغلين بمصيبته وتعزية أهل بيته إلى أن يتفرقوا للنظر في حال الإمام على تقدير عدم النص من النبي (ص) وأيضا المبادرة إلى تعيين الإمام بحيث تركوا أهم الأشياء كتجهيز النبي (ص) وتعزيته في ما ذكره عمر عند مرض النبي (ص) حيث قال حسبنا كتاب الله بل نقول لو كان صادقا في قوله هذا لكان الواجب عليه أن لا يبكر إلى سقيفة بني ساعدة لمدافعة الأنصار ولو جوزنا بكوره ومسارعته إليها كان الموافق لما اعترف به من كفاية كتاب الله أن يقول لهم لا حاجة لنا ولكم إلى تعيين أمير حسبنا كتاب الله لا أن يقول حسبنا أبو بكر أحسن التأمل فإن هذا من خواص هذا التعليق وهو بذلك حقيق وأيضا كيف لم يسارعوا لأجل الدين يوم بدر ويوم حنين وغيرها من أيام غزوات النبي (ص) وقد فروا يوم الأحزاب في خيامهم وعمرو بن عبد ود يناديهم ويطلبهم للبراز فصمتوا وخمدوا جميعهم فلم يقم إليه أحد منهم وكذلك يوم مرحب انهزموا أقبح هزيمة فلما لم يظهر منهم المسابقة والمسارعة في تلك المشاهد لنصرة الدين علم أن مسارعتهم يوم السقيفة إنما كانت لنيل الرياسة طلبا للجاه وحبا للدنيا وحسدا لآل محمد (ع) كما صرح به الغزالي في كتابه الموسوم بسر العالمين ولله در القائل في شأن علي (ع) ومن سبقه بالخلافة وعلى الخلافة سابقوا وما سبقوك في أحد ولا بدر وتلخيص الكلام أن كل من يستحق أن يخاطب يعلم أن أهل السقيفة لو اتفقوا مع أهل البيت في واقعتهم وتوافقوا فيما أصابهم من مصيبتهم حتى يدفن رسول الله (ص) ويسكن نايرة حدقتهم في فجيعتهم ويجتمع المهاجر والأنصار من أهل الحل والعقد وأفاضل القرابة وأكابر الصحابة مثل علي وعباس وعقيل وكسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد وحذيفة بن اليمان رضوان الله عليهم لكان خيرا لهم وأصوب وإلى الصلاح والرشاد أقرب ومن الشبهة والريبة أبعد لأن الأمر كان أمرا عظيما وخطبا جليلا وحادثة لم يسبق بمثلها في العالم فلماذا تعجلوا ولم يعبؤا بهم ولم يلتفتوا إليهم مع قرابتهم ومنزلتهم من رسول الله (ص) بل لغية حرصهم على الملك صاروا عن مصيبة رسول الله (ص) غافلين وعن موافقة أهل بيته في فجيعته ذاهلين كان لم يقدح في الإسلام وقيعة ولم ينزل لهم مصيبة فلا جرم ظهر الفساد وكثر العناد ووقع الخلاف والاختلاف والنفاق والشقاق حتى قال قايلهم بايعوا عمر أو أبا عبيدة وقال عمر بل نبايع أبا بكر وقال أبو بكر أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم وقال بعضهم منا أمير ومنكم أمير وقال آخرون نحن الأمراء وأنتم الوزراء وقال أحدهم قتلتم سعدا وقال الآخر قتله الله وسل الزبير سيفه وقال لا أرضى بخلافة أبي بكر وقال أبو سفيان أرضيتم يا بني هاشم أن يليكم تيمي رذل إلى غير ذلك وكان قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها إشارة إلى هذه الفتن الممتدة الرواق المشيدة النطاق القائمة بأهلها على ساق فصارت هذه الفلتة في البيعة حجة لأمير المؤمنين (ع) حجة على أهل النكث حتى احتج عليهم وقال لهم لم يكن بيعتكم إياي فلتة ولم يكن أمري وأمركم واحدا إني أريدكم لله وأنتم تريدوني لأنفسكم أيها الناس أعينوني على أنفسكم وأيم الله لأنصفن للمظلوم ولأقودن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق وإن كان كارها مع أن رسول الله (ص) قضى ما عليه وبلغ من أنزل إليه وبصرهم ثم بشرهم وأنذرهم ثم حذرهم واتخذ عليهم الحجة وأوضح لهم المحجة وقدم إليهم بالوعيد وأنذرهم بين يدي عذاب شديد كما علم من حديث الحوض وغيره مما وقع فيه الخوض وخامسا أنه إذا أسلم الناصب الشقي في تأويل كلام عمر أن بيعة أبي بكر كانت فتنة دعت إليها الضرورة فكان مثل ذلك مما دعت إليه الضرورة أيضا فأي معنى لمنع المعاودة إليه معللا بأن الارتكاب حال الضرورة لا ينافي تركه في حال غيرها فظهر أن ما ذكره من الطامات إنما كان للمغلطة وتفويت حقيقة المرام عن الناظر في الكلام كما هو شأن المبهوت المحجوج الذي انحل زمامه واختل نظامه بل نقول إن حضور الثلاثة في المدينة وتخلفهم عن جيش أسامة صار منشأ الاختلاف بين المسلمين كما صرح به صاحب الملل والنحل فإن النبي (ص) كان أعلم منهم بعاقبة الأمر بعده وأنهم لو لم يتخلفوا وساروا مع أسامة لا يتوجه خلل ولا يحدث فتنة بين أهل المدينة وإن توجه يندفع بأهل بيته وباقي المهاجرين والأنصار فأقول بأن الضرورة دعت إلى الاستعجال في إمامة أبي بكر تعسف وتمحل لا يخفى على أولي النهى ومن مضحكات تأويلهم لكلام عمر هذا ما نقله الشارح الجديد للتجريد حيث قال وأجيب بأن المعنى أنها كانت فجأة وبغتة وقى الله شر الخلاف الذي كاد يظهر عندها فمن عاد إلى مثل تلك المخالفة الموجبة لتبديل الكلمة فاقتلوه انتهى وارتكاب هذا القدر من التطويل في مقام التأويل مما لا يصدر إلا عن المتحير المبهوت أن عن ملاحدة الموت قال المصنف رفع الله درجته ومنها قول أبي بكر أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم فإن كان صادقا لم يصلح للإمامة ولا لم يصلح لها أيضا انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول إن صح هذا
صفحة ٢٢٠