السُّؤَالُ الثَّانِي
كيف يُمكنُ أن يقال: إِنَّ الله تعالى جعَل لأحدِ أن يُنشئ حُكمًا على العِبَاد؟ وهل يُنشئُ الأحكام إِلَّا الله تعالى؟ فهل لذلك نظيرٌ وقع في الشريعة أو ما يُؤنِسُ هذا المكانَ ويُوضِّحه؟
جَوَابُهُ
لا غَرْوَ في ذلك ولا نكير (١)، بل الله تعالى قرَّرَ الواجباتِ والمندوباتِ والمحرَّماتِ والمكروهاتِ والمباحاتِ على لسان نبيه ﷺ، وأَنزل الله ﷾ عليه في كتابه الكريم: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (٢).
ومع ذلك قرَّر في أصل شريعته أنَّ للمكلَّف أن يُنشِئ الوجوبَ فيما ليس بواجب في أصل الشرع، فيَنْقُلَ أيَّ مندوبِ شاء فيَجعلَه واجبًا عليه. وخَصَّصَ ذلك بالمندوبات، وخَصَّص الطريقَ الناقلَ للمندوبات إِلى الواجبات بطريقِ واحدِ وهو النَّذْر. فالنَّذْرُ إِنشاءٌ للوجوب في المندوب.
_________
(١) يدخل في هذا الجواب ما ذكره المؤلف في "الفروق" ٣: ٩٤ - ٩٦ الفرق (١٣٦) عند الفرقِ بين المنذورات وغيرها من الواجبات الشرعيّة. ومما فيه زيادةَ على ما هنا بيانُ الحكمة في لزوم ما يوجبه العبد على نفسه ممَّا لا مصلحة له فيه، كتعليقه طلاقَ امرأته على طيران الغُرابِ ونحوِه، فانظره.
(٢) من سورة المائدة، الآية ٣.
1 / 38