الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام
الناشر
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
لا أنه مُتَّبعٌ في نَقْلِ ذلك الحكمِ عن الله تعالى، لأنَّ ما فُوِّضَ إِليه من الله تعالى لا يكون منقولًا عن الله تعالى.
ثم الفَرْقُ من وجه آخر بين الحكم والفُتيا: أن الفُتيا تَقْبَلُ النَّسْخ، والحكمُ لا يقبلُهُ، بل يقبلُ النقضَ عند ظهور بطلان ما رتِّبَ عليه الحكم، والفُتيا لا تَقْبلُه، فصار مِن خصائص الحكم: النقضُ، ومن خصائص الفُتيا: النَّسخُ.
وهذا في فُتياه ﵇ خاصّةً ومَنْ كان في زمانه. وأمّا الفتيا (١) بعد وفاته ﷺ فلا تَقبل النسخ لتقرُّر الشريعة. فهذا أيضًا فَرقٌ حسن بين القضاء والفُتيا من حيث الجملةُ في جنسيهما، غير أنه لا يتَقرُّرُ في كل فردٍ من أفراد الفُتيا، ومتى ثَبَت الفرقُ بين الجنسين حصَلَ الفرقُ بين الحقيقتين فلا لَبْس.
وأما الرِّسَالةُ من حيث هي رسالة فقد لا تَقبلُ النسخ، بأن تكون خبرًا صِرْفًا. فإنه تقبل التخصيص دون النسخ على الصحيح من أقوال العلماء، وقد تَقبَلُه إِن كانَتْ متضمِّنةً لحكم شرعي. فصارت الرسالةُ أعمَّ من الفُتيا ومُبايِنةً لها. فظهرت الفروق بين الرسالة والفتيا والحكم.
وأما النبوَّة فكثيرٌ من الناس مَنْ يَعتقدُ أنها عبارةٌ عن مجرَّدِ الوحي من الله تعالى للنبي، وليس كذلك، بل قد يَحصُلُ الوحيُ من الله تعالى لبعض الخلق من غير نبوّة، كما كان الوحيُ يأتي مريمَ ابنةَ عمران ﵂ في قصه عيسى ﵇، وقال لها جبريل ﵇: ﴿إِنما أنا رَسُولُ رَبّك ليَهَبَ (٢) لكِ غُلامًا زكيًَّا﴾ (٣). وقال في موضع آخر: ﴿إِن الله
_________
(١) في نسخة (ر): (وأما القضاء ...).
(٢) هذه قراءة نافع.
(٣) من سورة مريم، الآية ١٩.
1 / 103