============================================================
حسابا عن كل يوم عشرة دراهم فإنه كان قبل هذه المحن إذا أراد النفقة على عياله يشترى لهم من هذه العشرة دراهم [الفضة) مغلأ ثلاثة أرطال لحم من لحوم الضأن بدرهمين ولتوابلها مثلا درهمين ، ويقضى غداء ولده وأهله ومن عساه يخدمه بأربعة دراهم . واليوم إنا تصير إليه العشرة قلوسا زنتها عشرون أوقية ، فإذا أراد أن يشترى ثلاثة أرطال لحم فانما يأخذها بسبعة وعشرين درهما فلوسا ، ويصرف في توابلها وما يصلح شأنها على الحالة الوسطى عشرة دراهم ، قلا يتأتى له غداء ولده وعيالاته إلا بسبعة وثلاثين درهما فلوسا . وأنى يستطيع من متحصله عشرة أن ينفق سبعة وثلاثين في غداء واحد؟ سوى ما حتاج إليه من زيت وماء وأجرة مسكن ومؤونة دابة وكسوة ، وغير ذلك رمما يطول سرده ويكفى فيه تساوى العالم من الحضارين بمعرفته] .
فهذا هو سبب زوال النعم التى كانت بمصر وتلاشى الأحوال بها ، وذهاب الرفه ، وظهور الحاجة والمكستة على الجمهور : [ ولو شاء ربك ما فعلوه) .
فلو وفق الله تعالى من أسند إليه أمور العباد إلى رد النقود على ما كانت عليه أولأ ، لكان صاحب هذه العشرة دراهم إذا قيضها فضة رأها على حكم أسعار وقتنا هذا تكفيه وتفضل عنه . فإن الغذاء الذى قلنا أن قيمته الآن سبعة وثلاثون درهما من الفلوس ، يدقع فيه الآن ستة دراهم وسدس درهم من الفضة المعاملة ، حسابا عن كل درهم من الفضة خمسة دراهم من الفلوس ، التى زنتها عشرة أواق . فإذن ليس بالناس غلاء ، إتما نزل بهم سوء التدبير من الحكام ، ليذهب الله غناء الخلق ويبتليهم بالقلة والذلة ، جزاء بما كسيت أيديهم وليذيقهم بعض الذى عملوا ولعلهم يرجعون .
صفحة ١٦٠