وأخيرا استقر رأي الأمم الباقية في هيئة الأمم على مشروع غزو القمر، وكانت الفكرة الأولى استعماره، ونقل ما يزيد من سكان الأرض إليه، وكانت الفكرة الثانية الاحتياطية، أنه إذا فشل الاستعمار فعلى الأقل ستجد الأمم الكبرى أنها استنفدت ذخيرتها الحربية في إرسال القذائف إلى القمر، فلا تبقى هذه الذخيرة مادة التهابية مخزونة تبعث على الحرب، وقد تقضي على الحضارة، وقد ينقرض الإنسان.
وشرعت الدول الثلاث؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانيا، في تهيئة القذائف إلى القمر، وكان المفروض أن تحمل هذه القذائف ناسا وحيوانا ومواد أخرى؛ كالطعام والماء والأكسيجين وبعض الآلات.
وشرع العلماء يكتبون عن القمر، وكان الرأي الذي انتهوا إليه هو أن القمر جزء من الأرض، وأنه نزع من فجوة في المحيط الهادي، وموارده هي موارد الأرض، وكان المفروض أنه ليس به هواء يمكن للإنسان أن يتنفسه، ولكن العلماء الذين بحثوا عناصر القمر قالوا إن الأحجار التي فيه تحوي عنصر الأكسيجين، فإذا نقلنا معنا آلات تفرز العناصر والغازات، استطعنا أن نستخرج من القمر جميع العناصر التي بالأرض من غاز إلى سائل إلى جامد، بل استطعنا أيضا أن نصنع الماء؛ إذ هو مركب من الأكسيجين والأيدروجين، وكلاهما يوجد في القمر مختلطا بمواد أخرى.
وكان المفروض أيضا أن ننقل إلى القمر رجالا ونساء وصبيانا مع أكبر عدد ممكن من الحيوانات والنباتات النافعة، وعلى هذا الأساس اختير عدد كبير من المتطوعين من أمم مختلفة.
وكنت أنا أحد هؤلاء، وكان على القذيفة أن تخرج بسرعة كبيرة جدا من منطقة الجاذبية الأرضية، ثم بعد ذلك تسير وحدها بقوة الاندفاع الأول نحو القمر، وكان حسابنا أن سياحتنا لن تزيد على تسعة أيام، وكل ما كنا نخشاه هو أن القذيفة التي ستحتوينا قد تنفجر عند انطلاقها وتذرونا هباء قبل أن نخرج من الأرض.
ولكن لم يحدث هذا؛ ففي صباح 7 نوفمبر من عام 1984، خرجت من الأرض عشرون قذيفة من أنحاء مختلفة، وصلت جميعها سالمة إلى أنحاء مختلفة من القمر، وشرعت كل جماعة تعمل على دراسة البقعة التي نزلت فيها، وتتصل بسائر الجماعات للاستنارة والاستعانة، وكانت المكالمات الرديوئية لا تنقطع بينها والتفاهم تام. •••
والآن أصف للقارئ كيف انقذفنا من الأرض نحو القمر؛ فقد صنعت لنا أنبوبة من مركبات معدنية خفيفة، ولكنها متينة، وكان قطرها نحو سبعة أمتار، أما طولها فكان لا يقل عن ثلاثين مترا، وكانت غرفا منفصلة؛ كان بعضها لرصد الكواكب والنجوم، وبعضها للحيوانات وبذور النباتات، وبعضها للأطعمة والعقاقير، وبعضها للراحلين إلى القمر، وكان جزء كبير من هذه الأنبوبة مخزنا للآلات والأدوات التي يمكن الانتفاع بها في العودة إلى الأرض.
وقد صنع للأنبوبة مخزن أرضي حشي بالمواد الانفجارية، وأطلقت بمقاييس دقيقة، وأحسسنا بهزة عنيفة عند انفصالنا من الأرض واندفاعنا في الفضاء، وبعد ثلاث ثوان أطلق صاروخ من خلف الأنبوبة، ثم صار يطلق صاروخ كل ثانيتين، وبقينا على ذلك نحو أربع ساعات كنا قد قطعنا فيها مسافة بعيدة من الأرض، ودخلنا، أو أوشكنا على أن ندخل منطقة الفضاء التي تضعف فيها جاذبية الأرض، وبعد أقل من يومين صرنا نحس أننا نسير في الفضاء بلا جاذبية؛ فلم تكن الأرض، وكذلك لم يكن القمر، يجاذباننا، ولكن اتجاهنا كان يسير نحو القمر بقوة الاندفاع الأول ... وكنا ننظر إلى الأرض، فكانت تبدو لنا كما لو كانت قمرا يزيد مساحة وضوءا نحو عشرة أضعاف القمر الذي كنا نسير نحوه.
وهنا حدثت مأساة ما زلت أذكرها؛ فقد كنا قد حملنا معنا الكثير من الحيوانات، وكانت عندنا شاة وكلبة تأثرتا بالصدمة الأولى عند اندفاعنا من الأرض، وكانت كلتاهما تقيء ولا تأكل، ثم ماتتا.
وخشينا أن تتعفنا، ووكل إلي إخراجهما من الأنبوبة، وكانت لها أبواب كثيرة، ورأيت أن أقذف بهما في اتجاه ينحرف عن سيرنا؛ حتى لا تسيرا معنا في اتجاهنا نحو القمر، وكانت الغرف تحتوي حواجز عديدة كان علينا أن نقفلها واحدا بعد آخر حتى لا يتسرب الهواء إلى الفضاء، وما زلت أجرهما حتى انتهيت إلى آخر غرفة وقذفت بهما بأقصى ما يستطيعه ذراعي من الدفع.
صفحة غير معروفة