لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٢٩)
إفادة المبتدي المستفيد فى حكم إتيان المأموم بالتسميع وجهره به إذا بلغ وإسراره بالتحميد
تأليف
الحافظ برهان الدين إبراهيم بن محمد الدمشقي
المعروف بالناجي (٨١٠ - ٩٠٠ هـ)
تحقيق
الدكتور عبد الرؤوف بن محمد الكمالي
ساهم بطبعه بعض أهل الخير من الحرمين الشريفين ومحبيهم
دار البشائر الإسلامية
صفحة غير معروفة
جَمِيْعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَةٌ
الطَّبْعَةُ الأولى
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
دَار البشائر الإسْلاميّة للطّباعَة وَالنّشر وّالتّوزيْع
هَاتفْ: ٧٠٢٨٥٧ - فَاكسْ: ٧٠٤٩٦٣/ ٠٠٩٦١١
بَيروتَ - لبنان ص ب: ٥٩٥٥/ ١٤
e-mail: [email protected]
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
المقَدّمَة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه رسالة لطيفة، في مسألة فقهية مشهورة، الخلافُ فيها بين الفقهاء معروف، ألا وهي مسألة التسميع للمأموم، أي: قولُ "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِده"، هل يأتي به المأمومُ أوْ لا؟
ولا شك أن هذه المسألة تصلح لأن تكون مثالًا من الأمثلة الكثيرة للمسائل التي يسوغ فيها الاختلاف والاجتهاد، وأنه لا إنكار فيها؛ فقد قرَّر العلماء ﵏ القاعدةَ الفقهية النفيسة: "لا يُنكَر المختلفُ فيه، وإنما ينكر المجمع عليه" (١)، وذلك إذا لم يكن الخلاف ضعيفًا، بأن تكون مآخذ الأقوال معتبرة، كما هو الحال في مسألتنا.
وليس كلُّ خلافٍ جاء معتبرًا ... إلاَّ خلافِ له حظُّ من النظرِ
_________
(١) "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص ١٥٨).
1 / 3
والمؤلف ﵀ قد نصر في هذه المسألة قولَ الشافعية ومَن وافقهم، في أن المأموم يأتي بالتسميع، وهو قول وجيه وقويّ بلا شك، لكن الذي ظهر لي- والله تعالى أعلم- أن قول الحنابلة ومن وافقهم، في أن المأموم لا يأتي بالتسميع، هو الأرجح، كما أشرت إلى وجه ذلك في تحقيق هذه الرسالة (١).
_________
(١) وتلخيصًا لأقوال العلماء في مسألة التسميع -وكذا التحميد حيث ذكرها المؤلف ﵀ أقول:
أولًا: التسميع: لم يختلف العلماء في أن الإِمام يأتي بالتسميع.
وأما المنفرد، ففيه قولان:
١ - أنه يأتي به. وهو الأصح عند الحنفية، وقولُ المالكية والشافعية، والمذهب عند الحنابلة، وقول ابن حزم.
٢ - أنه لا يأتي به. وهو رواية عن أبي حنيفة وعن أحمد.
وأما المأموم، ففيه قولان -أيضًا-:
١ - أنه يأتي به. وهو قول الشافعية ورواية عن أحمد وقولُ ابن حزم.
٢ - أنه لا يأتي به. وهو قول الحنفية والمالكية، والمذهب عند الحنابلة.
ثانيّا: التحميد: لم يختلف العلماء في أن المأموم يأتي بالتحميد.
وكذلك هو قول أكثر العلماء في حق المنفرد، إلاَّ رواية عن أبي حنيفة وعن أحمد، أنه لا يأتي به.
وأما الإِمام، ففيه قولان:
١ - أنه يأتي به. وهو قول أكثر أهل العلم.
٢ - أنه لا يأتي به. وهو قول أبي حنيفة -خلافًا للصاحبين- وقول المالكية.
انظر:"بدائع الصنائع" (٢/ ٥٥١، ٥٥٢ - ط زكريا علي يوسف) و"فتح =
1 / 4
وعلى كل حال، فإن صاحب هذه الرسالة هو إمام جليل، وعالِمٌ فذٌّ، يتضح ذلك لكل من طالع كتابه "عجالة الإِملاء" في التعليق على "الترغيب والترهيب" للمنذري.
وللمؤلف ﵀ مصنفات كثيرة، لكنها لم تخرج إلى عالَم المطبوعات بعد، فها نحن ننشر واحدًا منها؛ إحياءَ لذكره وعلمه، وبيانَّا لفضله ومنزلته، نسأل الله تعالى أن يكتب لنا وله الرحمة والرضوان، وأن يحشرنا جميعًا مع المتقين الأبرار.
* * *
_________
= القدير" لابن الهمام (١/ ٢٨٩، ٣٠٠ - ط ١ مصطفى البابي الحلبي) و"حاشية الدسوقي" (١/ ٢٤) و"حاشية العدوي على شرح الرسالة" (١/ ٢٣٣) و"مغني المحتاج" (١/ ١٦٥، ١٦٦) و"المجموع شرح المهذب" (٣/ ٣٩١ - ط مكتبة الإِرشاد)، و"المغني" لابن قدامة (٢/ ١٨٤، ١٨٦، ١٨٩ - ط دار هجر)، و"الإِنصاف" (٢/ ٦٤)، و"المحلى" لابن حزم (٣/ ٢٥٥).
1 / 5
ترجمة المؤلِّف (١)
نسبه ومولده:
هو: برهان الدين، أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر، الحلبي الأصل، الدمشقي، القبيباتي، الشافعي.
ويُعْرَف بالناجي -بالنون والجيم- لكونه -فيما قيل- حنبليَّا ثم تَشفَّع.
وربما قيل له: المحدَّث.
وُلِدَ في أحد الربيعين، سنةَ عشر وثمانمائة، بدمشق.
شيوخه ومسموعاته وتلاميذه:
سمع على الحافظ ابن حجر العسقلاني، وابنِ ناصر الدين، والفخرِ عثمان بنِ الصَّلِف، والعلاء بن بردس، والشهاب أحمد بن حسن بن عبد الهادي، والزينِ عبد الرحمن بن الشيخ خليل، والأريحي.
_________
(١) انظر ترجمته في: "الضوء اللامع" للسخاوي (١/ ١٦٦)، و"نظم العِقيان" للسيوطي (ص ٢٧، ٢٨)، و"شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي (٧/ ٣٦٥)، و"الأعلام" للزِّرِكْلي (١/ ٦٥)، و"معجم المؤلفين" لكحالة (١/ ٦٩).
1 / 6
ومما سمعه على العلاء: "الشمائل" و"مشيخة الأشرف الفخر" و"السنن" لأبي داود والترمذي.
وسمع على الأريحي "صحيح البخاري".
وسمع -أيضًا- على عبد الله وعبد الرحمن ابني زريق، واختص بالعلاء بن زكنون، وقرأ عليه القرآن وغيرَه، وتزوج ابنته، ثم فارقه.
وقد تحوّل شافعيّا غير مرة.
وتتلمذ عليه عدد من العلماء، منهم أبو البركات محمد بن أحمد بن الكيال، والشيخ عبد القادر بن محمد النعيمي الشافعي صاحب "الدارس في تاريخ المدارس".
عِلْمُه ومنزلته:
كان محبًّا في أهل السنة، شديدَ الإِنكار على معتقدي ابن عربي ونحوِه كابن حامد، منجمعًا عن بني الدنيا، قانعًا باليسير.
قال السخاوي ﵀: "والثناء عليه مستفيض، ووصَفه الخضيري بأنه شيخ عالم فاضل، محدث محرِّر متقن معتَمَد، خدم هذا الشأن بلسانه وقلمه، وطالع كثيرًا من كتبه". اهـ (١).
وقال عنه تلميذه أبو البركات ابن الكيال: "شيخ الإِسلام والمسلمين، حافظ العصر، وأمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين ﷺ" (٢).اهـ.
وقال شيخ الإِسلام بدمشق كمال الدين محمد بن حمزة الحسيني لمَّا ذكر محلة ميدان الحصا: "هذه المحلة خَصَّها الله تعالى بثلاثة
_________
(١) "الضوء اللامع" (١/ ١٦٦).
(٢) "الكواكب النيرات" (ص ٤٥١)، حيث أشار إليه في خاتمة كتابه هذا.
1 / 7
أبارية، كل منهم انفرد بفنٍّ لا يُشارَك فيه، الشيخ إبراهيم الناجي بعلم الحديث ... " اهـ (١).
وقال ابن العماد الحنبلي في وصفه: "الإِمام العالم" (٢). اهـ.
مصنفاته:
للناجي ﵀ مصنفات كثيرة، نذكرها مرتبةً على حسب حروف المعجم:
١ - إفادة المبتدي المستفيد في حكم إتيان المأموم بالتسميع وجهره به إذا بلَّغ وإسراره بالتحميد (٣). (وهو رسالتنا هذه).
٢ - الأمر بالمحافظة على الكتاب والسنَّة (٤).
٣ - تحذير الإِخوان فيما يورث الفقر والنسيان (٥).
٤ - تقريب المبطَّإ بترتيب رواة الموطإ.
ذكره الناجي نفسه في كتابه "عجالة الإِملاء" (٦)، ووصفه بأنه جزء لطيف نفيس، وأنه جاوز برواة الموطإ الثمانين.
٥ - ثلاثيات في الحديث، روايةً عن ابن حجر (٧).
_________
(١) "شذرات الذهب" (٨/ ١٩٥).
(٢) "شذرات الذهب" (٧/ ٣٦٥).
(٣) ذكره في "كشف الظنون" (١/ ١٣١).
(٤) ذكره في "هدية العارفين" (١/ ٢٣).
(٥) ذكره في "كشف الظنون" (١/ ٣٥٥) وهدية العارفين" (١/ ٢٣). وذكروه كذلك باسم: "قلائد العقيان فيما يورث الفقر والنسيان"، والظاهر أنهما كتاب واحد.
(٦) (ص ٧٥).
(٧) ذكره في"كشف الظنون" (١/ ٥٢٢).
1 / 8
٦ - جزء في طرق حديث الإِنصات للجمعة.
ذكره في "العجالة" (١) وقال: "وقد صَنَّفْتُ في ألفاظ هذا الحديث جزءًا، أطرفته وطرقته من الكتب الستة والموطإ ومسندي الشافعي وأحمد، والدارمي، فلتراجعه فإنه مفيد جدًّا". اهـ.
٧ - جزء في طرق حديث البركة في البكور.
ذكره في "العجالة" (٢) وقال: "وقد عزوت هذه الرواياتِ كلَّها إلى مَن خرَّجها، وذكرت الحديث بالزيادة فيه وبدونها، في جزء لطيف يُرْحَل إليه". اهـ.
٨ - جزء في طرق حديث رويفع بن ثابت: "من قال: اللَّهُمَّ صلِّ على محمد، وأَنْزِلْه المقعد المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له الشفاعة" (٣)
٩ - جواب في إلياس.
ذكره في "العجالة" (٤)، وقال: "وقد قررت نبوته [أي الخضر]، وذكرت القائلين بها من المتقدمين والمتأخرين وأتباعِ المذاهب الأربعة وغيرهم، ضمن جواب حافل في إلياس".اهـ.
١٠ - الجواب المجلي للفظ تشويش القارئ على المصلي (٥).
_________
(١) (ص ١٨٥).
(٢) (ص ٣٣٦).
(٣) ذكره في "العجالة" (ص ٣٣٢).
(٤) (ص ٥٤، ٥٥).
(٥) ذكره في "هدية العارفين" (١/ ٢٣).
1 / 9
١١ - جواب الناجي عن الناسخ المنسوخ: هل يمكن جمعه (١)؟.
١٢ - حاشية على شرح مسلم للنووي (٢).
١٣ - حاشية على كتاب الأذكار للنووي (٣).
١٤ - حاشية على كتاب تجريد أسماء الصحابة للذهبي (٤).
١٥ - حصول البغية، لسائل: هل لأحد في الجنة لحية؟ (٥)
١٦ - رسالة في الشفاعة (٦).
١٧ - شرح "القواعد المنظومة" لشهاب الدين الهائم (ت ٨٨٧ هـ) (٧).
١٨ - عجالة الإِملاء المتيسرة من التذنيب على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه الترغيب والترهيب (٨).
_________
(١) ذكره في "الأعلام" (١/ ٦٥) وأنه مخطوط في التيمورية.
(٢) ذكره في "العجالة" (ص ٤٦٨).
(٣) ذكره في "العجالة" (ص ٩٥، ١٥٦).
(٤) ذكره في "العجالة" كما قال محقق "العجالة" حسين بن عكاشة (ص ٨).
(٥) ذكره في "كشف الظنون" (١/ ٦٧٠) و"هدية العارفين" (١/ ٢٣).
(٦) ذكره في "كشف الظنون" (١/ ٨٧٤).
(٧) ذكره في "كشف الظنون" (٢/ ١٣٦٠).
(٨) طُبِع -أولًا- مذيَّلًا بكتاب "الترغيب والترهيب" للمنذري، بتحقيق أيمن صالح، دار الحديث - (القاهرة، سنة ١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م)، ثم طبع حديثًا (١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م) بتحقيق أبي عبد الله حسين بن عكاشة - مكتبة الصحابة (الإِمارات - الشارقة) ومكتبة التابعين (القاهرة وعين شمس). وقد ذكر الناجي في مقدمة كتابه هذا (ص ٢٢)، قوله: "وهذه النبذ التي تيسَّر إملاؤها، لعمري في الجملة مفيدة، بل فريدة، فتح الله بها وبغيرها، وتصلح أن تكون لهذا الكتاب -بل ولغيره- كالتهذيب، ولا بأس بتسميتها: عجالة =
1 / 10
١٩ - قلائد المرجان في الحديث الوارد كذبًا في الباذنجان (١).
٢٠ - كفاية المسمَّع المصيخ في البطيخ (٢).
٢١ - كنز الراغبين العفاة (٣) في الرمز إلى المولد المحمدي والوفاة (٤).
٢٢ - مصنف في صلاة الضحى (٥).
٢٣ - مصنف في مؤذني النبي ﷺ (٦).
٢٤ - المعين على فعل سنَّة التلقين (٧).
٢٥ - نصيحة الأحباب عن أكل التراب (٨).
وفاته:
توفي الناجي رحمه الله تعالى بدمشق، في رمضان سنة تسعِمائة، غفر الله تعالى له برحمته، وأسكنه دار كرامته.
_________
= الإِملاء ... " وذكر الاسم المطوَّل المذكور هنا.
(١) ذكره في "كشف الظنون" (٢/ ١٣٥٥)، و"هدية العارفين" (١/ ٢٣).
(٢) ذكره كذلك في "هدية العارفين" (١/ ٢٣) وذكره في "كشف الظنون" باسم: "كفاية المصيخ وهو المسمع في البطيخ".
(٣) جمع عافٍ، وهو كل طالب فضل أو رزق. انظر: "القاموس المحيط" (ص ١٦٩٣).
(٤) ذكره في "كشف الظنون" (١٥١٧)، و"هدية العارفين" (١/ ٢٣). وذكر في "الأعلام" (١/ ٦٥) أنه مخطوط في سوهاج (١٠٤ حديث).
(٥) صدر هذا الكتاب بعناية الأخوين الكريمين الشيخ نظام يعقوبي والشيخ رمزي دمشقية، وطبع في دار البشائر الإِسلامية، سنة ١٤١٩ هـ.
(٦) ذكره في "العجالة" (ص ١٦٨).
(٧) ذكره في "كشف الظنون" (٢/ ١٧٤٥)، و"هدية العارفين" (١/ ٢٣).
(٨) ذكره في "كشف الظنون" (٢/ ١٩٥٧)، و"هدية العارفين" (١/ ٢٣).
1 / 11
وصف النسخة المعتمدة
اعتمدت في إخراج هذه الرسالة على نسخة مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض -وهي مشتراة مِن أحد الورَّاقين الدمشقيين، ولم تُرَقَّمْ بعد- ضمن مجموع للعلاَّمة الحافظ برهان الدين إبراهيم بن محمد الدمشقي، المعروف بالناجي. والمجموع كله بخط إبراهيم بن عثمان بن محمَّد، في شهر رمضان، سنة (٨٧٨ هـ)، وهذا يدل على أنها منسوخة في حياة المصنَّف المتوفى سنة (٩٠٠ هـ)، وقد صرَّح الناسخ بذلك حيث قال عن المصنِّف: "حفظه الله".
وتقع مخطوطتنا في أربع ورقات، وعدد الأسطر فيها (٢١) سطرًا، وهي بخطَّ نسخِىٍّ واضح.
وقد قمت بعزو الآيات الكريمة إلى سورها وترقيمها، وعزو الأحاديث إلى مخرِّجيها، والأقوال إلى مصادرها، والتعليق على ما يحتاج إلى تعليق، على وجه الاختصار.
ولا يفوتني أن أشكر أخي المفضال، الشيخ المحقق محمد بن ناصر العجمي، على ما أكرمني به من تهيئة المخطوطة، فجزاه الله خيرًا.
وصلَّى الله على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
1 / 12
مخطوطااات
ممم
صورة الصفحة الأولى من المخطوطة
1 / 13
صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة
1 / 14
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٢٩)
إفادة المبتدي المستفيد فى حكم إتيان المأموم بالتسميع وجهره به إذا بلغ وإسراره بالتحميد
تأليف
الحافظ برهان الدين إبراهيم بن محمد الدمشقي
المعروف بالناجي (٨١٠ - ٩٠٠ هـ)
تحقيق
عبد الرؤوف بن محمد الكمالي
صفحة غير معروفة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله على ما أنعم، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسَلَّم، وبعد:
فإنَّ السنَّة عند إمامنا الشافعي ﵁ لكل مُصل -من إمام ومأموم ومنفرد- إذا ابتدأ برفع رأسه من الركوع أن يقول: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه"، فإذا انتصب قائمًا، واعتدل بعوده إلى الهيئةِ التي كان عليها قبل رُكُوعِه، قال: "ربَّنا لك الحمد"؛ لما ثبت في الصحيحين (١) وغيرِهما من حديث أبي هريرة: "أنه ﵊ كان يقولُ: (سمع الله لمن حَمِدَه) حين يَرْفَعُ صُلْبَهُ من الركوع، ثم يقول وهو قائم: (ربنا ولك [الحمد] (٢) ". وعند البخاري: "ربنا لك الحمد" (٣)، وقال بعض رواته: "ولك الحمد" (٤).
_________
(١) "صحيح البخاري" (٢/ ٢٧٢) - الفتح، و"صحيح مسلم" (١/ ٢٩٣، ٢٩٤).
(٢) هذه الكلمة سقطت من المخطوط.
(٣) "صحيح البخاري" (٢/ ٢٧٢).
(٤) وهو الذي اتفق عليه أكثر الرواة. قال الحافظ ابن حجر ﵀: "قال العلماء: الرواية بثبوت الواو أرجح، وهي [أي الواو] زائدة، وقيل: عاطفة على محذوف، وقيل: هي واو الحال. قاله ابن الأثير، وضعَّف ما =
1 / 17
وسيأتي التَّعَرُّضُ لِلَفْظِ التحميد بزيادةٍ في التسميع، وإنما المقصود هنا تقريرُ أنه لا خلاف في مذهبه في الجمع بينهما كما نقله شيخ المذهب محيي الدين النووي، في كتابه: "شرح المهذب" (١) وغيره عن الشافعي وأصحابه، وقال: "هذا لا خلاف فيه عندنا"، وقرَّر أنَّ التسميعَ ذِكْرُ رفعِ الرأس من الركوع، والتحميدَ بعده ذكرُ الاعتدالِ منه.
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من الأئمة، من حديث جماعات من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين (٢): أن الشارع صلوات الله وسلامه عليه كان يجمع بينهما في صلاة الفرض والتطوع (٣).
_________
= عداه. اهـ. "فتح الباري" (٢/ ٢٧٣).
والتقدير على كون الواو عاطفة: (ربَّنا اسْتَجِبْ لنا -أو ما قارب ذلك- ولك الحمد)، ففيه زيادة معنى؛ لأنه يشتمل على معنى الدعاء ومعنى الخبر. وأمَّا بإسقاط الواو، فهو يدل على أحد هذين المعنين فقط. انظر: "الإِحكام" لابن دقيق العيد (١/ ٢٠٤).
(١) الذي أسماه بـ "المجموع" (٣/ ٣٩١) ط المطيعي-مكتبة الإِرشاد- جدة.
(٢) منهم:
١ - أبو هريرة ﵁، أخرجه البخاري (٢/ ٢٧٢)، ومسلم (١/ ٢٩٣، ٢٩٤).
٢ - ابن عمر ﵄، أخرجه البخاري (٢/ ٢٢١).
٣ - ابن أبي أوفى ﵄، أخرجه مسلم (١/ ٣٤٦).
(٣) أي مِن حيثُ إطلاقُ الروايات، وإلاَّ فليس هناك روايةٌ خاصَّة في التطوع. ثم إن ما ورد مِن وصف الصحابة لصلاة رسول الله ﷺ، فالظاهر أنه وصفٌ لحال إمامته؛ لأنها الحالة الغالبة على النبي ﷺ، كما ذكره ابن دقيق العيد ﵀ في "الإحكام" (١/ ٢٢٢).
1 / 18
وقد صح عنه في البخاري (١) وغيره أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، كذا قرَّره النووي في "شرح المهذب" (٢) وغيره، وفي مواضع من "شرح مسلم" (٣)، والاستدلالُ به ظاهر.
وقال الإِمام البخاري: "باب ما يقول الإِمام ومَن خلفَه إذا رفع رأسه من الركوع" (٤). ثم روى بسنده الصحيح المشهور إلى أبي هريرة قال: "كان النبي ﷺ إذا قال: (سمع الله لمن حمده)، قال: (اللَّهُمَّ ربنا ولك الحمد) ".
وروى الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٥) عن عليّ بن أبي طالب: "أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، بحولك وقوتك أقوم وأقعد".
وقد ورد في جمع المأموم بينهما أيضًا ما سنذكره.
_________
(١) "صحيح البخاري" (٢/ ١١١).
(٢) (٣/ ٣٩٣).
(٣) (٤/ ١٩٣).
(٤) "صحيح البخاري" (٢/ ٢٨٢).
(٥) (١/ ٢٤٧)، وإسناده ضعيف؛ فيه: أبو إسحاق، وهو السَّبيعي، عمرو بن عبد الله، اختلط بأَخَرَةٍ، كما أنه مشهور بالتدليس، وقد عنعن هنا. انظر: "تقريب التهذيب" (ص ٤٢٣ - ط محمد عوامة)، و"طبقات المدلسين" (ص ٤٢). وفي إسناده -أيضًا- الحارث، وهو الأعور، قال عنه في "تقريب التهذيب" (ص ١٤٦): "كذَّبه الشعبي في رأيه، ورُمِيَ بالرفض، وفي حديثه ضعف".اهـ.
1 / 19
قال الشيخ ولي الدين (١) في "تكملة شرح تقريب الأسانيد" (٢) الذي عمله له والده زين الدين (٣) في الكلام على حديث: "إنما جعل الِإمامُ لِيُؤْتَمَّ به" (٤): "مع (٥) أن الاعتماد على قوله ﵊: "صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي" (٦) ". اهـ.
فروى الحافظان أبو الحسن الدارقطني وأبو بكر البيهقي في "خلافيَّاته" (٧) عن سعيد المَقْبُري: "أنَّه سمع أبا هريرة وهو إمام للناس في الصلاة يقول: (سمع الله لمن حمده، اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، الله أكبر)، يرفع بذلك صوته ونتابعه معًا".
وسيأتي أنه يستحب للإِمام أو المبلِّغ عنه الجهرُ بالتسميعِ وتكبيرِ
_________
(١) هو أبو زرعة، أحمد بن عبد الرحيم العراقي (ت ٨٢٦ هـ).
(٢) (٢/ ٣٣١). وقد أسمى والدُه الشرح المذكور بـ "طرح التثريب في شرح التقريب" الذي أكمله ولده من بعده، رحمهما الله جميعًا.
(٣) هو أبو الفضل، عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت ٨٠٦ هـ).
(٤) الحديث مروي عن جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة ﵁، أخرجه عنه البخاري (٢/ ١٠٩)، ومسلم (١/ ٣٠٩، ٣١٠).
(٥) قَبْلَهُ في الشرح المذكور: "وقد ورد في جمع المأموم بينهما أحاديث في إسنادها ضعف، فنذكرها، مع أن الاعتماد ... " إلخ.
(٦) أخرجه البخاري في مواضع من "صحيحة"، من رواية مالك بن الحويرث ﵁، منها (٢/ ١١١).
(٧) لم أجده في "سنن الدارقطني"، والذي في "طرح التثريب" (٢/ ٣٣٢) هو عزوه للبيهقي فقط، وهو الصواب إن شاء الله، وهو في "سننه الكبرى" (٢/ ٩٦).
1 / 20
الانتقالات بحيث يسمع المأموم.
وقالَ النووي في "شرح مسلم" (١): "باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع إلاَّ في رفعه من الركوع؛ فإنه يقول فيه: (سمع الله لمن حمده) ".
قال البيهقي: ورُوِي عن أبي بُردة بنِ أبي موسى -وهو الأشعري التابعي- أنه كان يقول خلف الإِمام: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد).
وقال عطاء بن أبي رَبَاح: يجمعهما مع الإِمام أحبُّ إلى.
وروى البيهقي والدارقطني (٢) بإسناد صحيح عن ابن عون قال: قال ابن سيرين: "إذا قال الإِمام: (سمع الله لمن حمده)، قال من خلفه: (سمع الله لمن حمده) ". زاد البيهقي: (اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد).
إلى غير ذلك.
وروى الحافظ الدارقطني في "سننه" (٣) من طريق عمرو بن شَمِر، عن جابر -وهو الجُعْفِيُّ- وهما واهيان (٤)، عن عبد الله بن بريدة، عن
_________
(١) (٤/ ٩٧).
(٢) "سنن الدارقطني" (١/ ٣٤٥)، ومن طريقه البيهقي في "سننه" (٢/ ٩٦).
(٣) (١/ ٣٣٩)، وكذا أخرجه البيهقي في "الخلافيات" -كما في "طرح التثريب" (٢/ ٣٣١) - وقال: "وفيه جابر الجُعْفي، لا يحتج به، ومن دونه أكثرهم ضعفاء". اهـ.
(٤) أما عمرو بن شَمِر، فهو الجُعفي الكوفي الشيعي، أبو عبد الله. قال عنه =
1 / 21