وبقي على ذلك العز بعد خروجه رضي الله عنه من بغداد، فإنه لما قصد عند خروجه، وأغرى أبو الحسن بن أبي الطيب العلوي الموسوي وهو رئيس أشراف بغداد أهل الكرخ به حتى جاؤا إلى مسجده ورجموه وهو قاعد يملي وأزعجوه عن مكانه، وعقد محضر بأن الصلاح في نفيه من بغداد، وبذل أكثر من ببغداد من الموافقين والمخالفين شهادتهم فيه، فأنهي إلى معز الدولة حاله، وقيل له: إن أستاذ أبي عبد الله بن الداعي قد قصد وأوذي، فاستعظم ذلك غاية الاستعظام وأنكره إنكار مثله، وأمر برده إلى مجلسه على نهاية الإكرام، وأنفذ إليه أكابر الدولة تعظيما له.
ومنها: ما كان يختص به ذلك الشيخ من اعتقاد مولاة الأشراف ومحبتهم والميل إليهم وإيثاره أن يكونوا كلهم مواظبين على العلم متقدمين فيه، حتى كان إذا ظفر بواحد منهم ووجده حريصا على العلم مطبوعا فيه، يقدر أنه وجد ضالة نفيسة لا عوض لها، ويحثه على الصبر عليه وترك التقصير فيه بأنواع الحث، من ذلك ما كان يقوله لي حين وردت عليه: من أن الشريف أبا عبد الله رضي الله عنه ورد بغداد وهو لا يحسن من الكلام عشر ما تحسنه أنت الآن، فينبغي أن تصبر وتقيم. يقصد به الزيادة في حرصي، وليس هذا الفصل من غرضنا في الكتاب ولكنه عرض في الكلام.
وحدثني أبو العباس العماري الطبري، قال: كان أبو عبد الله البصري عند أبي عبد الله بن الداعي رضي الله عنه ليلة وكان يجري كلام في الإمامة والنص على أمير المؤمنين عليه السلام، فقال أبو عبد الله البصري: قول العباس له: أمدد يدك أبايعك. يدل على أنه لم يكن منصوصا عليه، ألا ترى أنه ذكر في سبب إمامته البيعة دون النص المتقدم؟ فقال أبو عبد الله بن الداعي رضي الله عنه: هذا الكلام عليك، فقال: قوله: أمدد يدك أبايعك. يدل على أنه كان منصوصا عليه، ألا ترى أنه لم يستشر ولم يقل يختارك جماعة منا ونتفق عليك ثم أبايعك.
صفحة ١٣٦