32
عقبك.
مثال من أعمال عمال معاوية، وما يريدون أن يكون عليه من يتصرفون للسلطان ليستقيم أمر البلاد. وكان زياد يقول : استوصوا بثلاثة منكم خيرا: الشريف والعالم والشيخ؛ فوالله لا يأتيني شيخ بشاب قد استخف به إلا أوجعته، ولا يأتيني عالم بجاهل استخف به إلا نكلت به، ولا يأتيني شريف بوضيع استخف به إلا انتقمت له منه. قال زياد لحاجبه: كيف تأذن للناس؟ قال: على البيوتات، ثم على الأنساب، ثم على الآداب. قال: فمن تؤخر؟ قال: من لا يعبأ الله بهم. قال: ومن هم؟ قال: الذين يلبسون كسوة الشتاء في الصيف وكسوة الصيف في الشتاء. وقال لحاجبه: وليتك حجابتي وعزلتك عن أربع: هذا المنادي إلى الله في الصلاح والفلاح لا توقفه عني، ولا سلطان لك عليه، وطارق الليل لا تحجبه، فشر ما جاء به، ولو كان خيرا ما جاء في تلك الساعة، ورسول صاحب الثغر، فإن أبطأ ساعة فسد عمل سنة، وصاحب الطعام فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد. قال العتبي: كان في مجلس زياد مكتوب: «الشدة في غير عنف، واللين في غير ضعف، المحسن يجازى بإحسانه، والمسيء يعاقب بإساءته، الأعطيات في أيامها، لا احتجاب من طارق ولا صاحب ثغر.» وكان زياد يؤثر الأعمال على الأقوال؛ لعلمه بأنها تنادي على نفسها؛ فقد بنى بالبصرة أحياء ودورا ومساجد وحفر أنهارا وترعا، وكل ما بنى فيها أو صنع فإنه نسب إلى غيره.
33
وزياد في الواقع لم يزل بالمداراة من يوم كان أميرا على فارس، وهي تضرم نارا
34
حتى عادوا إلى ما كانوا عليه من الطاعة والاستقامة، لم يقف موقفا للحرب، وكان أهل فارس يقولون: ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنوشروان من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة والعلم بما يأتي. ولما قدم فارس بعث إلى رؤسائها فوعد من نصره ومناه وخوف قوما وتوعدهم، وضرب بعضهم ببعض، ودل بعضهم على عورة بعض، وهربت طائفة وأقامت طائفة، فقتل بعضهم بعضا، وصفت له فارس فلم يلق فيها جمعا ولا حربا، وفعل ذلك بكرمان. وقدم زياد العراق وهي جمرة تشتعل
35
فسل أحقادهم وداوى أدواءهم. وابنه عبد الله تولى العراق بعده، وهو أول من عرف العرفاء، ودعا الفقراء، ونكب
36
صفحة غير معروفة