وطالت أيام المعتمد، ولم يؤثر عنها إبداع جديد في الإدارة والسياسة. وكان ديوان الموفق مائة ألف مرتزق، وكانت الدولة السامانية التي قامت في هذه الأيام في الشرق، وتتمتع باستقلال داخلي واسع - كما يقولون اليوم - من أحسن الدول سيرة وملوكها من بني سامان أمنع ملوك الإسلام جانبا في عصرهم «لأنه
82
ليس في الإسلام جيش إلا وهم شذاذ القبائل والبلدان والأطراف، إذا تفرقوا في هزيمة وتمزقوا في حادثة، لم يلتق منهم جمع بعده، غير جيش هؤلاء الملوك؛ فإن جيوشهم الأتراك المملوكون، ومن الأحرار من يعرف داره ومكانه، إذا فشل منهم قوم أو ماتوا ففي وفور عددهم ما يعاد من بين ظهرانيهم مثلهم، وإن تفرقوا في حادثة تراجعوا كلهم إلى مكان واحد، فلا يقدح فيهم ما يقدح في سائر عساكر الأطراف، ولا سبيل لهم إلى التفرق في العساكر والتنقل في الممالك كما يكون عليه رسوم صعاليك العساكر وشحنة البلدان.»
وكانت طريقتهم في إقامة الأحكام ببلاد خراسان
83
أن تضرب المقارع بين أيدي أجلة الأمراء، ويشهد كل أحد في كل شيء، غير أن في كل بلد عدة من المزكين فإن طعن الخصم على الشاهد سئل عنه المزكي، ولا يتحنك فيه إلا فقيه أو رئيس. ويختارون أبدا ببخارى أفقه من بها وأعفهم، يرفعونه ويصدرون عن رأيه ويقضون حوائجه، ويولون الأعمال بقوله. وفي نيسابور رسوم حسنة؛ منها: مجلس المظالم في كل يوم أحد وأربعاء بحضرة صاحب الجيش أو وزيره، فكل من رفع قصة قدم إليه فأنصفه، وحوله القاضي والرئيس والعلماء والأشراف ومجلس الحكم كل اثنين وخميس بمسجد رجاء لا ترى في الإسلام مثله. وكانوا في فارس
84
يفضلون أهل البيوتات القديمة في أعمال الدواوين يتوارثونها فيما بينهم، وليس في دواوين الإسلام ديوان أصعب عملا وأكثر أنواعا من ديوان فارس لاختلاف ربوعها على المتقلدين لها.
هذا مثال من حالة الدولة السامانية التي نشأت في عهد المعتضد الطويل. وذكر المؤرخون أنه على قلة معرفته بسياسة الملك عمرت
85
صفحة غير معروفة