بسم الله الرحمن الرحيم
[خطبة المؤلف]
اللهم اني أحمدك حمدا يقل فى انتشاره حمد كل حامد، ويضمحل باشتهاره جحد كل جاحد، ويفل بغراره حسد كل حاسد، ويحل باعتباره عقد كل كائد.
وأشهد أن لا إله الا الله، شهادة أعتد بها لدفع الشدائد، واسترد بها شارد النعم الاوابد، واصلي على سيدنا محمد، الهادي الى أمتن العقائد وأحسن القواعد، الداعي الى أنجح المقاصد وأرجح الفوائد، وعلى آله الغر الاماجد، المقدمين على الاقارب والاباعد، المؤيدين فى المصادر والموارد، صلاة تسمع كل غائب وشاهد، وتقمع كل شيطان مارد (1).
صفحة ١٩
فصل (فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الطهارة)
[حكم ما كان دون الكر]
قال (رحمه الله): وأما المحقون، فما كان منه دون الكر، فانه ينجس بملاقاة النجاسة، ويطهر بإلقاء كر عليه فما زاد دفعة، ولا يطهر باتمامه كرا، على الاظهر.
أقول: ذهب السيد (1) المرتضى الى أنه يطهر بالاتمام، وتبعه ابن البراج وسلار والمتأخر، والحق أنه لا يطهر، وهو اختيار الشيخ فى الخلاف (2) وأبي علي ابن الجنيد.
لنا- أن الطهارة حكم شرعي، فتقف على الدليل الشرعي. وحيث لا دلالة فلا حكم.
واحتجاج السيد بأن النجاسة الواقعة بعد البلوغ غير مؤثرة، فكذا قبله لوجود الكرية الدافعة للنجاسة فى الصورتين، ضعيف، أما أولا فانه قياس، وهو باطل عندنا. وأما ثانيا فلوجود الفارق، اذ البالغ كرا ذو قوة دافعة، بخلاف الباقى اذ هو قابل للانفعال، واذ انفعل لم يبق له قوة دافعة.
صفحة ٢٠
[حكم نجاسة ماء البئر]
قال (رحمه الله): وأما البئر، فانه ينجس بالتغير بالنجاسة اجماعا، وهل ينجس بالملاقاة؟ فيه تردد، والاظهر التنجيس.
أقول: وجه التردد تعارض أدلة الفريقين، أعني القائلين بالطهارة والقائلين بالتنجيس، ولنذكر أقوى ما يمسك به كل من الفريقين ليتضح المقصود.
أما القائلون بالنجاسة، وهم الشيخ فى أحد قوليه، والشيخ المفيد (قدس الله روحه)، وسلار، وابن ادريس حيث ادعى الاجماع على ذلك، فقد احتجوا بروايات:
منها: رواية محمد بن اسماعيل الصحيحة قال: كتبت الى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) فى البئر التى تكون فى المنزل، فيقطر فيها قطرات من بول أو دم، أو سقط فيها شيء من العذرة كالبعرة أو غيرها، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع (عليه السلام) فى كتابه بخطه: ينزح منها دلاء (1).
وفي معناها رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)(2).
وأما القائلون بالطهارة، فقد احتجوا بامور:
الاول: اصالة الطهارة، وهي دليل قاطع، فليعمل بها الى حين ظهور المزيل قطعا أو ظاهرا وليس.
الثاني: الاستصحاب، وتقريره: ان الماء طاهر قبل ورود النجاسة، فكذا بعده.
الثالث: الروايات المشهورة عن أهل البيت (عليهم السلام) واذا تعارض الدليلان تساقطا، ووجب الرجوع الى مقتضى الاصل، وهو الطهارة، والاصل يخرج عنه للدليل وقد بيناه، وكذا الاستصحاب.
صفحة ٢١
والروايات الدالة على التنجيس أكثر، فتكون أرجح، فيتعين العمل بها، لوجوب العمل بالراجح واطراح المرجوح.
قال (رحمه الله): اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح، وفي تضاعفه مع التماثل تردد، أحوطه التضعيف.
أقول: وجه التضاعف أن وقوع كل واحد منفردا موجب للنزح اجماعا، فيجب التضاعف مع الكثرة والا لزم اجتماع العلل المستقلة على المعلول الواحد بالشخص، وهو محال على ما بين فى علم المعقول.
ووجه العدم: ان النجاسة أمر واحد لا تقبل الشدة والضعف، وبالاول حصلت فلا تيقن حينئذ لايجاب التضاعف، اذ الثاني لم يؤثر نجاسة زائدة. وانما كان الاول أحوط، لان مع اعتماده تحصل الطهارة قطعا، بخلاف الثاني.
[الماء المستعمل في الوضوء]
قال (رحمه الله): المستعمل فى الوضوء طاهر مطهر، وما استعمل فى [رفع] الحدث الاكبر طاهر، وهل يرفع [به] الحدث؟ فيه تردد، والاحوط المنع.
أقول: منشؤه: النظر الى أنه ماء مطلق طاهر، فيصح رفع الحدث. أما الصغرى فاجماعية، وأما الكبرى فلعمومات الآيات والاخبار الدالة على جواز التطهير بالماء، وهو اختيار السيد المرتضى (قدس الله روحه) وأتبعه المتأخر.
والالتفات الى أن المأخوذ على المكلف انما هو التطهير بالماء المتيقن طهارته وتطهيره، وهو غير موجود هنا، لوقوع الخلاف فى كون هذا الماء مطهرا، ومع حصول الخلاف يرتفع اليقين، لجواز كون الحق فى أحد الطرفين وهو اختيار الشيخين وابن بابويه.
ويؤيده رواية عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام)(1) الدالة على المنع من
صفحة ٢٢
الوضوء من المستعمل فى (1) غسل الجنابة.
[حكم الاسئار]
قال (رحمه الله): والآسار كلها طاهرة، عدا سور الكلب والخنزير والكافر، وفي سؤر المسوخ تردد، والطهارة أظهر.
أقول: منشؤه: النظر الى اصالة الطهارة، ترك العمل بها فى تنجيس سور الثلاثة بالاجماع، ولكونهم أنجاسا، فبقى معمولا بها فيما عداها، وهو اختيار المتأخر.
ويؤيده رواية أبي العباس الفضل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الشاة والهرة والبقرة والابل والحمار، فلم أترك شيئا الا سألت عنه، فقال: لا بأس به حتى انتهيت الى الكلب والخنزير، فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (2). وفي معناها رواية ابن شريح (3).
والالتفات الى أن المسوخ نجسة، فتنجس الماء بشربها منه، وهو اختيار الشيخ فى أكثر أقواله، والصغرى ممنوعة.
قال (رحمه الله): من كان على [بعض] أعضاء طهارته جبائر- الى قوله: واذا زال العذر استأنف الطهارة، على تردد فيه.
أقول: منشؤه: النظر الى أن الطهارة الاولى رافعة للحدث اجماعا، فلا معنى لوجوب الثانية، الا عند انتقاض الاولى، وهو غير موجود هنا، لان موجبات الوضوء محصورة معدودة، وليس هنا شيء منها موجود.
والالتفات الى أن هذه الطهارة طهارة ضرورية، فتزول بزوالها عملا بالعلية
صفحة ٢٣
وهو اختيار الشيخ (رحمه الله) فى المبسوط (1).
ويضعف بأن الضرورة علة الابتداء لا الدوام، والا لزم تأثير المعدوم في الموجود.
[أحكام الجنابة والحيض]
قال (رحمه الله) فى فصل الجنابة: فان جامع فى الدبر ولم ينزل، وجب الغسل على الاصح.
أقول: ذهب الشيخ (رحمه الله) فى النهاية (2) والاستبصار (3) الى عدم الوجوب تمسكا بالاصالة، واستنادا الى رواية علي بن الحكم رفعه الى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اذا أتى الرجل المرأة في دبرها وهي صائمة، لم تنتقض صومها وليس عليها غسل (4).
والحق الوجوب، وهو اختيار أكثر الاصحاب، لعموم قوله تعالى: «أو لامستم النساء* (5).
[أحكام الاموات]
قال (رحمه الله) فى فصل الحيض: ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم اجماعا، وفي المبتدأة تردد، والاظهر أنها تحتاط للعبادة حتى تمضي لها ثلاثة أيام.
أقول: منشؤه: النظر الى اصالة وجوب الصلاة والصوم على المكلف، ترك العمل بها فى الصورة الاولى البس (6) الحيض اذا تأخرت العادة به بالمتيقن
صفحة ٢٤
فيبقى معمولا بها فيما عداها، وهو اختيار علم الهدى فى المصباح (1) وأتبعه المتأخر.
والالتفات الى أن هذه العبادة يحتمل أن يكون ايقاعها حراما، ويحتمل أن يكون حلالا، فيغلب جانب التحريم.
أما المقدمة الاولى، فلان هذا الدم الذي قد رأته المبتدأة يحتمل أن يكون حيضا، فيكون ايقاع العبادة فيه حينئذ محرمة. ويحتمل أن لا يكون كذلك فيكون ايقاعها مباحا بل واجبا. والاحتمالان متساويان، بل الاحتمال الاول آكد من الاحتمال الثاني.
وأما الثانية فلقوله (عليه السلام): ما اجتمع الحلال والحرام الا غلب الحرام الحلال (2) وهو اختيار الشيخ (رحمه الله)، واختاره شيخنا فى منتهى المطلب (3) والمختلف.
محتجا برواية معاوية بن عمار الصحيحة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ان دم الحيض والاستحاضة ليس يخرجان من مكان واحد، وأن دم الاستحاضة بارد، وأن دم الحيض حار (4).
وجه الاستدلال انه (عليه السلام) وصف دم الحيض بما ذكره ليحكم به حيضا، وقد بينا تحريم الصوم والصلاة على الحائض. وغير ذلك من الروايات. والقول الاول عندي أجود.
والبحث فى المضطربة كالبحث فى المبتدأة، وقد سبق.
قال (رحمه الله) فى فصل الاموات: وفي وضوء الميت تردد، والاشبه أنه
صفحة ٢٥
لا يجب.
أقول: منشؤه: النظر الى أن الوضوء حكم شرعي، فيكون وجوبه على الخطاب الشرعي وليس، ويؤيده رواية السكوني ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: غسل الميت مثل غسل الجنب (1).
وهو اختيار الشيخ فى المبسوط، حتى أنه قال فيه: قد روي أنه يوضأ الميت قبل غسله (2). فمن عمل بها (3) كان جائزا، أعني ان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك (4) لان غسل الميت كغسل الجنابة.
قال ابن ادريس: واذا كان قال حينئذ فى المبسوط ان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك لم يجز العمل بالرواية، لان العامل بها يكون مخالفا للطائفة.
والالتفات الى قول الصادق (عليه السلام): فى كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة (5).
وهو اختيار أبي الصلاح.
فرعان:
اذا قلنا بوجوب الوضوء أو استحبابه، فلا بد من تقديمه على الغسل.
ولا تستحب المضمضة والاستنشاق هنا. وظاهر كلام الشيخ فى الخلاف (6) يؤذن بالتحريم. والحق التفصيل، فان اعتقد بمضمضته (7) أنها مستحبة مشروعة
صفحة ٢٦
كان ذلك حراما، وان لم يعتقد ذلك كانت مباحة.
قال (رحمه الله): ولو عدم الكافور والسدر غسل بالماء [القراح] وقيل: لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها، وفيه تردد.
أقول: منشؤه: النظر الى أن المأمور به انما هو الغسل بالماء مع السدر والكافور، وهو مفقود هنا، فيسقط الامر بالغسلتين الاولتين، لعدم امكان الاتيان بهما، ولاستحالة تكليف ما لا يطاق.
والالتفات الى أن الامر بالغسل بالسدر والكافور أمر بماهية مركبة من السدر والماء والكافور، والامر بالماهية أمر بكل واحد من أجزائها، فيكون الغسل بالماء مأمورا به، فيجب الاتيان به عملا بالامر، وهو اختيار الشيخ (رحمه الله).
ويضعف بجواز التلازم والامر به، ولا يلزم الدور لانه دور معية (1).
[أحكام التيمم]
قال (رحمه الله) فى باب التيمم: ولا يصح [التيمم] قبل دخول الوقت ويصح مع تضيقه، وهل يصح مع سعته؟ فيه تردد، والاظهر(2)المنع.
أقول: منشؤه: النظر الى أن التيمم بدل من الطهارة المائية اجماعا، والبدل انما يسوغ (3) فعله عند تعذر المبدل، ولم يتحقق التعذر إلا مع تضيق الوقت، لانه ما دام الوقت متسعا يجوز أن يحصل الماء، وهو اختيار الشيخ والمرتضى وأتباعهما والمتأخر، وظاهر كلام شيخنا المفيد (قدس الله روحه)، ويؤيده الروايات المشهورة عن أهل البيت (عليهم السلام).
والالتفات الى قوله تعالى «فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا» (4) فسوغ
صفحة ٢٧
تعالى التيمم عند عدم وجود الماء، وهو حال السعة غير واجد الماء، فيسوغ له التيمم عملا بالشرط، وهو اختيار الشيخ أبي جعفر بن بابويه. وقال ابن الجنيد ان كان التيمم لعذر يرجى زواله قبل خروج (1) الوقت وجب التأخير، والا فلا.
وما قاله (رحمه الله ) حسن، اذ فيه جمع بين القولين.
فرع:
لو تيمم فى آخر الوقت وصلى، ثم دخل وقت الصلاة الاخرى، جاز له الدخول فى تلك الصلاة بذلك التيمم فى أول وقتها، حكاه صاحب كشف الرموز (2) عن المصنف، وهو مذهب الشيخ، وفيه نظر (3) لوجود العلة المقتضية للتأخير هنا.
[اذا اجتمع ميت ومحدث وجنب، ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم]
قال (رحمه الله): اذا اجتمع ميت ومحدث وجنب، ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم، فان كان ملكا لاحدهم اختص به، وان كان ملكا لجميعهم أولا مالك له أو مع مالك يسمح ببذله، فالافضل تخصيص الجنب به. وقيل: بل يختص الميت به، وفي ذلك تردد.
أقول: منشؤه: النظر الى أن المحدث والجنب والميت قد تساووا فى وجوب الاستعمال (4) فيكون لهم التخيير فى تخصيص من شاءوا، وهو خيرة الشيخ فى الخلاف (5) والمبسوط (6).
صفحة ٢٨
والالتفات الى أن الرواية الصحيحة (1) دالة على تخصيص الجنب، وهو اختيار الشيخ في النهاية (2). وبتخصيص الميت رواية مقطوعة مرسلة (3).
وقال ابن ادريس: ان كان ملكا لاحدهم اختص به، وان كان مباحا فلمن حازه فان تعين عليهما تغسيل الميت ولم يتعين أداء الصلاة، فعليهما أن يغسلاه بالماء الموجود. فان خافا فوت الصلاة استعملاه وغسلا به الميت. وهذا انما يتأتى على أصله من جواز رفع الحدث ثانيا بالماء المستعمل فى رفع الحدث أولا.
قال المصنف فى المعتبر: البحث هنا فى الاولوية، والتخيير غير سائغ فيه (4).
[أحكام النجاسات]
قال (رحمه الله) فى باب النجاسات: وفي رجيع ما لا نفس له وبوله تردد.
أقول: منشؤه: النظر الى العمومات الدالة على نجاسة ما لا يؤكل لحمه من غير فرق بين ماله نفس سائلة، أي: دم سائل، وبين ما ليس كذلك.
والالتفات الى أن الاصل الطهارة، فيحكم بها الى حين ظهور الدليل الدال على التنجيس قطعا وليس، ولان (5) رجيع ما لا نفس له سائلة يجري مجرى عصارة الثياب، فلا يكون نجسا.
قال (رحمه الله): وفي مني ما لا نفس له سائلة تردد، والطهارة أشبه.
أقول: منشؤه: من التمسك بالعموم.
صفحة ٢٩
والالتفات الى الاصل، فيحكم به الى حين وجود النجاسة، وهذان الترددان ضعيفان جدا.
قال (رحمه الله): وفي الثعلب والارنب والفأرة والوزغة تردد، والطهارة أظهر.
أقول: منشؤه: النظر الى الاصل القاضي بالطهارة، ولانها لو كانت نجسة لحرم استعمال سؤرها، والثاني باطل لما ذكرناه في مسألة الاسئار فالمقدم مثله.
وبيان الشرطية أن المقتضى لنجاسة السؤر انما هو لنجاسة الشارب، وهو موجود هنا على تقدير النجاسة، وهو اختيار شيخنا (دام ظله)(1).
والالتفات الى الروايات الدالة على التنجيس، وتحمل على الاستحباب جمعا بين الادلة.
[حكم اتخاذ الاواني من الذهب والفضة]
قال (رحمه الله) فى باب الاواني: وفي جواز اتخاذ آنية الذهب والفضة لغير الاستعمال تردد، والاظهر المنع.
أقول: منشؤه: النظر الى عموم النهي عن اضاعة المال، وهذا اضاعة مال فيكون منهيا عنه، والنهي يقتضي التحريم ظاهرا، لما بيناه في كتب الاصول، وهو اختيار الشيخ (رحمه الله) في المبسوط (2).
والالتفات الى الاصل الدال على الجواز ترك العمل به في صورة الاستعمال لورود النهي عليه عينا، فيبقى معمولا به فيما عداه، وهو اختيار شيخنا، ولعله الاقرب، ونمنع كون الاتخاذ اضاعة المال.
صفحة ٣٠
فرع:
هل التحريم مقصور على استعمال أواني الذهب والفضة واتخاذها على الخلاف، أو أواني (1) ما تتخذ منها كالملاعق وغيرها مما يستعمل؟ الاقرب الثاني للمشاركة في العلة، وهي تضييع المال.
صفحة ٣١
فصل (فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الصلاة)
[عدم جواز لبس الحرير للرجال ولا الصلاة فيه]
قال (رحمه الله): ولا يجوز لبس الحرير المحض للرجال، ولا الصلاة فيه الا في الحرب، وعند الضرورة كالبرد المانع من نزعه، ويجوز للنساء مطلقا، وفيما لا يتم الصلاة فيه منفردا كالتكة والقلنسوة تردد، والاظهر الكراهية.
أقول: ينشأ: من النظر (1) الى أصل الجواز، ترك العمل به في الصورة الاولى، للنص والاجماع، فيبقى معمولا به فيما عداها، ولان هذه الاشياء لاحظ لها في الاجزاء، فلا يكون لها تأثير في ابطال الصلاة، وهو اختيار الشيخ (رحمه الله) وأبي الصلاح، وتبعهما المتأخر.
والالتفات الى عموم الادلة الدالة على النهي عن لبس الحرير، ولان المقتضى للمنع في الثوب، وهو كون الابريسم يحصل بلبسه التخيل موجود هنا، فيثبت المنع عملا بالمقتضى، وهو ظاهر كلام شيخنا المفيد وابن بابويه وابن الجنيد، وقد صرح به أبو جعفر بن بابويه.
قال (رحمه الله): ولا تجوز الصلاة للمرأة الا في ثوبين درع وخمار، ساترة
صفحة ٣٢
جميع جسدها، عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين، على تردد في القدمين.
أقول: منشؤه: النظر الى اصالة عدم الوجوب، ترك العمل بها في وجوب ستر ما عدا هذه الثلاثة، فيبقى الباقي على أصله، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (1) وأتبعه المتأخر، ولانهن لو منعن من كشف أقدامهن لنقل ذلك ولو نقل لاشتهر لان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله.
والالتفات الى أن المرأة جميعها عورة، فيجب عليها ستر القدمين، وفي ظاهر كلام الشيخ فى الاقتصاد (2)، وظاهر كلام أبى الصلاح.
وأعلم أنه لا خلاف فى كشف الوجه وأما الكفان، فظاهر اطلاق كلام الشيخ فى الاقتصاد (3) وأبي الصلاح يقتضي وجوب سترهما.
[ما لو صلى منفردا ولم يؤذن ساهيا]
قال (رحمه الله): ولو صلى منفردا ولم يؤذن ساهيا رجع الى الاذان، مستقبلا صلاته ما لم يركع، وفيه رواية أخرى.
أقول: أشار الى ما رواه زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له: رجل ينسى الاذان والاقامة حتى يكبر، قال: يمضي على صلاته ولا يعيد (4) وفى معناها رواية أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام)(5).
وبمضمونها أفتى الشيخ (رحمه الله) فى النهاية (6)، فجوز الرجوع مع تعمد ترك الاذان والاقامة ما لم يركع، ولم يسوغه مع النسيان، وقد صرح به المتأخر.
والحق ما ذكره المصنف (رحمه الله) تعالى، وهو اختيار السيد المرتضى قدس
صفحة ٣٣
الله روحه، لان الاذان والاقامة من أوكد السنن، وذلك يقتضي تداركهما مع نسيانهما باستئناف الصلاة.
أما مع التعمد فلا، لانه قد دخل فى صلاة (1) غير طالب الفضيلة، فلا يجوز له الابطال، عملا بظاهر قوله تعالى «ولا تبطلوا أعمالكم (2)».
[وجوب البسملة بين السورتين الا ما استثني]
قال (رحمه الله): روى أصحابنا أن «الضحى» و«ألم نشرح» سورة واحدة.
وكذا «الفيل» و«لايلاف» فلا يجوز افراد احداهما عن صاحبتها في كل ركعة، ولا يفتقر الى البسملة بينهما على الاظهر.
أقول: نقل عن بعض الاصحاب وجوب البسملة بين السورتين، محتجا بأن البسملة آية من كل منها، فتجب قراءتها بينهما. أما الصغرى فلثبوتها كذلك في المصحف. وأما الكبرى فاجماعية.
وقال الشيخ (رحمه الله) فى الاستبصار: ولا يفصل بينهما (3) محتجا بأنهما سورة واحدة، فلا تعاد البسملة بينهما. اما الصغرى، فلان تحريم قراءة سورتين فى الركعة الواحدة مع تجويز قراءة الضحى وألم نشرح، أو الفيل ولايلاف يستلزم وحدتهما. وأما الكبرى فاجماعية.
والحق الاول، واحتجاج الشيخ ضعيف. أما الصغرى، فللمنع من وحدتهما.
قوله: لان تسويغ قراءتهما مع المنع من قراءة السورتين في الركعة يقتضي ذلك.
قلنا: ممنوع، لجواز استثناء هاتين (4) من عموم التحريم ان قلنا به، والا
صفحة ٣٤
فلا، كما هو مذهبه (رحمه الله) فى أكثر أقواله. وأما الكبرى فممنوعة أيضا، اذ لا تنافي بين كونهما سورة، ووجوب اعادة البسملة بينهما، كما في النمل، وادعاء الاجماع هنا مكابرة.
[ما يجب في الركوع]
قال (رحمه الله): يجب في الركوع التسبيح. وقيل: يكفي الذكر ولو كان تكبيرا أو تهليلا، وفيه تردد.
أقول: ينشأ: من أصالة البراءة الدالة على عدم وجوب شيء أصلا، ترك العمل بها في وجوب الذكر، للاجماع والنص، فيبقى معمولا به فيما عداه، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (1)، وأتبعه المتأخر.
والالتفات الى ما رواه هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التسبيح في الركوع والسجود، قال: يقول في الركوع: «سبحان ربى العظيم وبحمده» وفي السجود: «سبحان ربى الاعلى» الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنة ثلاث والفضل سبع (2). وغير ذلك من الروايات، وهو اختيار أكثر الاصحاب.
قال (رحمه الله): وهل يجب التكبير للركوع؟ فيه تردد، والاظهر الندب.
أقول: منشؤه: النطر الى أصالة براءة الذمة من واجب أو ندب، طرح العمل بها في اثبات كون التكبير للركوع مندوبا لدليل أقوى، فبقي معمولا بها فيما عداها، وهو اختيار أكثر علمائنا.
والالتفات الى ظاهر رواية زرارة عن الباقر (عليه السلام)(3)، وهو اختيار ابن أبي عقيل العماني. والوجه الاول، وتحمل الرواية على الاستحباب، أما أولا فلما
صفحة ٣٥
ذكرناه. وأما ثانيا فلاشتماله على الامر بأشياء (1) مستحبة غير واجبة.
قال (رحمه الله): وفي وجوب التكبير للاخذ في السجود والرفع منه تردد، والاظهر الاستحباب.
أقول: ينشأ: من النظر الى الاصالة، وتقرير الاستدلال به قد سبق غير مرة وهو اختيار أكثر علمائنا.
والالتفات الى ظاهر رواية الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(2). وهو اختيار ابن أبي عقيل وسلار أيضا، وتحمل الرواية على الاستحباب جمعا بين الادلة.
[قواطع الصلاة]
قال (رحمه الله) في قواطع الصلاة: الثاني- لا يبطلها الا عمدا، وهو وضع اليمين على الشمال، وفيه تردد.
أقول: ينشأ: من النظر الى قوله (عليه السلام): «صلوا كما رأيتموني أصلي» (3) ووجه الاستدلال به أنه (عليه السلام) أوجب على أمته أن يصلوا مثل صلاته (عليه السلام).
فنقول: الصلاة التي صلاها النبي (عليه السلام): اما أن يكون قد فعل فيها ذلك أو لا والاول باطل، والا لوجب فعله، وليس كذلك بالاجماع، فتعين الثاني، فيكون الاتيان بهذا محرما، لقوله (عليه السلام) «من أدخل في شرعنا ما ليس منه كان مبدعا» (4).
والاخبار الدالة على تحريم شرعية ما لم يكن مشروعا أكثر من أن تحصى، واذا ثبت أنه حرام كان مبدعا، لعدم القائل بالفرق.
وهو اختيار الشيخ (رحمه الله)، واستدل عليه في الخلاف (5) باجماع الفرقة
صفحة ٣٦
المحقة. وكذلك السيد المرتضى (رحمه الله)، وأتبعهما المتأخر، ويؤيده الاخبار المشهورة المروية عن أهل البيت (عليهم السلام).
والالتفات الى أصالة الجواز وعدم الابطال به، وهو اختيار أبي علي ابن الجنيد وأبي الصلاح الحلبي، ونمنع بقاء حكم الاصل مع قيام ما ذكرناه من الادلة (1).
[حكم عقص الشعر للرجل]
قال (رحمه الله): وفي عقص الشعر للرجل تردد، والاشبه الكراهية.
أقول: منشؤه: النظر الى الاصل القاضي بالجواز وعدم الابطال، وهو اختيار أبي الصلاح والمتأخر، وظاهر كلام شيخنا المفيد (قدس الله روحه).
والالتفات الى الرواية المروية عن الصادق (عليه السلام)(2) الدالة على ابطال الصلاة به، وهو اختيار الشيخ (رحمه الله )، واستدل في الخلاف (3) عليه باجماع الفرقة، والرواية ضعيفة السند، لان في طريقها مصادف، وهو ضعيف، وقد قدح ابن الغضائري فيه. وأما دعوى الاجماع فلم يثبت.
صفحة ٣٧
فصل (فى الترددات المذكورة فى فضل صلاة الجمعة)
قال (رحمه الله): وهل الطهارة شرط في الخطبتين؟ فيه تردد، والاشبه أنها غير شرط.
أقول: منشؤه: النظر الى الاصل الدال على براءة الذمة، وعدم (1) الاشتراط وهو اختيار المتأخر.
والالتفات الى أنهما بدل من الركعتين الاخيرتين، فشرط فيهما (2) الطهارة كالمبدل، ولان طريقة الاحتياط قاضية بذلك، لانعقاد الاجماع على صحة الخطبتين مع حصول الطهارة، وليس على صحتهما مع عدم الطهارة دليل، وسلوك ما لا ريب فيه أولى من سلوك ما حصل فيه الريب ضرورة، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (3) والخلاف (4).
صفحة ٣٨