كل جوهر ابتدع فى زمان : إما أن يكون دائما فى الزمان والزمان غير فاصل عنه لأنه ابتدع الزمان سواء؛ وإما أن يكون منفصلا عن الزمان والزمان يفصل عنه لأنه ابتدع فى بعض أوقات الزمان. وذلك أنه إن كانت المبتدعات يتلو بعضها بعضا، وكان الجوهر الأعلى إنما يتلو الجوهر الشبيه به، لا الجوهر غير الشبيه به — كانت الجواهر الشبيهة بالجوهر 〈الأعلى〉، وهى الجواهر المبتدعة التى لا يفصل عنها الزمان، قبل الجواهر التى لا تشبه الجواهر الدائمة، وهى الجواهر المنقطعة عن الزمان المبتدعة فى بعض أوقات الزمان. فلا يمكن أن تتصل الجواهر المبتدعة فى بعض أوقات الزمان بالجواهر 〈الدائمة〉، لأنها لا تشبهها ألبتة. فالجواهر الدائمة إذن فى الزمان هى التى تتصل بالجواهر الدائمة وهى المتوسطة بين الجواهر الثابتة وبين الجواهر المنقطعة عن الزمان. ولم يكن ممكنا أن تكون الجواهر الدائمة التى فوق الزمان تتلو الجواهر الزمانية المنقطعة عن الزمان إلا بتوسط الجواهر الزمانية الدائمة فى الزمان. وإنما صارت هذه الجواهر متوسطة لأنها 〈تشارك〉 الجواهر العالية الدائمة فى الدوام، وتشارك الجواهر الزمانية المنقطعة فى الزمان بالتكون. فإنها، وإن كانت دائمة، كان دوامها بالتكون والحركة. والجواهر الدائمة بالزمان تشبه الجواهر الدائمة التى فوق الزمان بالدوام، ولا تشبهها فى الحركة والتكون. وأما الجواهر المنقطعة عن الزمان فإنها لا تشبه الجواهر الدائمة التى فوق الزمان بجهة من الجهات. فإن كانت لا تشبهها، فإنها لا تقدر أن تتناولها أو تماسها. فلا بد إذن من جواهر تماس الجواهر الدائمة التى فوق الزمان، فتكون مماسة الجواهر المنقطعة عن الزمان فتجمع بحركتها بين الجواهر الزمانية المنقطعة عن الزمان وبين الجواهر الدائمة التى فوق الزمان؛ وتجمع بدوامها بين الجواهر التى فوق الزمان وبين الجواهر التى تحت الزمان، وأعنى الواقعة تحت الكون والفساد؛ وتجمع بين الجواهر الفاضلة وبين الجواهر الخسيسة، لئلا تعدم الجواهر الفاضلة فتعدم كل حسن وكل خير، ولا يكون لها بقاء ولا ثبات.
صفحة ٢٩