444

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

محقق

سليم بن عيد الهلالي

الناشر

دار ابن عفان

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

مكان النشر

السعودية

إِلَى فَسَادِ النِّيَّةِ.
وَعُدَّ مِنْهَا مَا يُظَنُّ بِهِ مِنَ الْقَوْلِ بِرَأْيِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ غَيْرُ نَافِعٍ، وَهَذَا كَالَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلنَّاسِ: اتْرُكُوا اتِّبَاعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَرْكِ الدُّعَاءِ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ؛ لِئَلَّا يُظَنَّ بِكُ [ـمُ] الِابْتِدَاعُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: " وَلَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْفِهْرِيُّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَتَفْعَلُهُ الشِّيعَةُ ".
قَالَ: " فَحَضَرَ عِنْدِي يَوْمًا فِي مَحْرَسِ أَبِي الشُّعَرَاءِ بِالثَّغْرِ مَوْضِعِ تَدْرِيسِي عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنَ الْمَحْرَسِ الْمَذْكُورِ، فَتَقَدَّمَ إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَأَنَا فِي مُؤَخِّرِهِ قَاعِدٌ عَلَى طَاقَاتِ الْبَحْرِ أَتَنَسَّمُ الرِّيحَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَعِي فِي صَفٍّ وَاحِدٍ أَبُو ثَمَنَةَ رَئِيسُ الْبَحْرِ وَقَائِدُهُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَيَتَطَلَّعُ عَلَى مَرَاكِبَ الْمَنَارِ، فَلَمَّا رَفَعَ الشَّيْخُ الْفِهْرِيُّ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَفِي رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ؛ قَالَ أَبُو ثَمَنَةَ وَأَصْحَابُهُ: أَلَا تَرَوْنَ إِلَى هَذَا الْمَشْرِقِيِّ كَيْفَ دَخَلَ مَسْجِدَنَا؟ قُومُوا إِلَيْهِ فَاقْتُلُوهُ وَارْمُوا بِهِ فِي الْبَحْرِ فَلَا يَرَاكُمْ أَحَدٌ، فَطَارَ قَلْبِي مِنْ بَيْنِ جَوَانِحِي، وَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! هَذَا الطَّرْطُوشِيُّ فَقِيهُ الْوَقْتِ! فَقَالُوا لِي: وَلِمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ فَقُلْتُ: كَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَفْعَلُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَجَعَلْتُ أُسَكِّنُهُمْ وَأُسَكِّنُهُمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ، وَقُمْتُ مَعَهُ إِلَى الْمَسْكَنِ مِنَ الْمَحْرَسِ، وَرَأَى تَغَيُّرَ وَجْهِي فَأَنْكَرَ، وَسَأَلَنِي فَأَعْلَمْتُهُ فَضَحِكَ، وَقَالَ: مَنْ أَيْنَ لِي أَنْ أَقْتُلَ عَلَى سُنَّةٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: وَيَحِلُّ لَكَ هَذَا؛ فَإِنَّكَ بَيْنَ قَوْمٍ إِنْ

1 / 464