339

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

محقق

سليم بن عيد الهلالي

الناشر

دار ابن عفان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

مكان النشر

السعودية

لَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ مِنْ تِلْكَ الْآثَارِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ انْزِعَاجٌ بِقِيَامٍ أَوْ دَوَرَانٍ أَوْ شَطْحٍ أَوْ صِيَاحٍ أَوْ مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ.
وَسَبَبُهُ أَنِ الَّذِي حَلَّ بِبَاطِنِهِ لَيْسَ بِالرِّقَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا، بَلْ هُوَ الطَّرَبُ الَّذِي يُنَاسِبُ الْغِنَاءَ؛ لِأَنَّ الرِّقَّةَ ضِدُّ الْقَسْوَةِ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَالطَّرَبُ ضِدُّ الْخُشُوعِ - كَمَا يَقُولُهُ الصُّوفِيَّةُ ـ؛ وَالطَّرَبُ مُنَاسِبٌ لِلْحَرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَوَرَانُ الطِّبَاعِ، وَلِذَلِكَ اشْتَرَكَ فِيهِ مَعَ الْإِنْسَانِ الْحَيَوَانُ؛ كَالْإِبِلِ وَالنَّحْلِ، وَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ مِنَ الْأَطْفَالِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْخُشُوعُ ضِدُّهُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى السُّكُونِ، وَقَدْ فُسِّرَ بِهِ لُغَةً؛ كَمَا فُسِّرَ الطَّرَبُ بِأَنَّهُ خِفَّةٌ تَصْحَبُ الْإِنْسَانَ مِنْ حُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
طَرَبَ الْوَالِهِ أَوْ كَالْمُخْتَبَلِ
وَالتَّطْرِيبُ: مَدُّ الصَّوْتِ وَتَحْسِينُهُ.
وَبَيَانُهُ: أَنَّ الشِّعْرَ الْمُغَنَّى بِهِ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا فِيهِ (مِنَ) الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْقُلُوبِ، فَفِيهَا تَعْمَلُ، وَبِهَا تَنْفَعِلُ، وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يُنْسَبُ السَّمَاعُ إِلَى الْأَرْوَاحِ.
وَالثَّانِي: مَا فِيهِ مِنَ النَّغَمَاتِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى النِّسَبِ التَّلْحِينِيَّةِ، وَهُوَ

1 / 358