280

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

محقق

سليم بن عيد الهلالي

الناشر

دار ابن عفان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

مكان النشر

السعودية

تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَلَيْسَ تَحْرِيمُهَا فِي الْقُرْآنِ نَصًّا، وَإِنَّمَا قَصَدُوا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ مِنْ أَنْظَارِ عُقُولِهِمْ مَا اسْتَحْسَنُوا.
وَالظَّنُّ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا غَيْرُ مَا زَعَمُوا، وَقَدْ وَجَدْنَا لَهُ مَحَالًّا ثَلَاثَةً:
أَحَدُهَا: الظَّنُّ فِي أُصُولِ الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُغْنِي عِنْدَ الْعُلَمَاءِ؛ لِاحْتِمَالِهِ النَّقِيضَ عِنْدَ الظَّانِّ؛ بِخِلَافِ الظَّنِّ فِي الْفُرُوعِ؛ فَإِنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ؛ لِلدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عَمَلِهِ، فَكَانَ الظَّنُّ مَذْمُومًا إِلَّا مَا تَعَلَّقَ بِالْفُرُوعِ مِنْهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الظَّنَّ هُنَا هُوَ تَرْجِيحُ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مُرَجِّحٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَذْمُومٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنَ التَّحَكُّمِ، وَلِذَلِكَ أُتْبِعَ فِي الْآيَةِ بِهَوَى النَّفْسِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ فَكَأَنَّهُمْ مَالُوا إِلَى أَمْرٍ بِمُجَرَّدِ الْغَرَضِ وَالْهَوَى، لَا بِاتِّبَاعِ الْهُدَى الْمُنَبِّهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [النجم: ٢٣]، وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ ذَمَّهُ؛ بِخِلَافِ الظَّنِّ الَّذِي أَثَارَهُ دَلِيلٌ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَلِذَلِكَ أُثْبِتَ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ حَيْثُ يَلِيقُ الْعَمَلُ بِمِثْلِهِ؛ كَالْفُرُوعِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الظَّنَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
ظَنٌّ يَسْتَنِدُ إِلَى أَصْلٍ قَطْعِيٍّ، وَهَذِهِ هِيَ الظُّنُونُ الْمَعْمُولُ بِهَا فِي الشَّرِيعَةِ أَيْنَمَا وَقَعَتْ؛ لِأَنَّهَا اسْتَنَدَتْ إِلَى أَصْلٍ مَعْلُومٍ، فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمَعْلُومِ جِنْسُهُ.

1 / 299