الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
محقق
سليم بن عيد الهلالي
الناشر
دار ابن عفان
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
مكان النشر
السعودية
مناطق
•إسبانيا
الامبراطوريات
بنو الأحمر
ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي التَّصَوُّفِ تَعَلَّقُوا بِالصُّفَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَجْتَمِعُ فِيهَا فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ [الكهف: ٢٨] الْآيَةَ، فَوَصَفَهُمْ (اللَّهُ) بِالتَّعَبُّدِ وَالِانْقِطَاعِ إِلَى اللَّهِ بِدُعَائِهِ قَصْدًا لِلَّهِ خَالِصًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمُ انْقَطَعُوا لِعِبَادَةِ اللَّهِ، لَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ شَاغِلٌ، فَنَحْنُ إِنَّمَا صَنَعْنَا صُفَّةً مِثْلَهَا أَوْ تُقَارِبُهَا، يَجْتَمِعُ فِيهَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْقَطِعَ إِلَى اللَّهِ وَيَلْتَزِمَ الْعِبَادَةَ، وَيَتَجَرَّدَ عَنِ الدُّنْيَا وَالشُّغْلِ بِهَا، وَذَلِكَ كَانَ شَأْنُ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَنْقَطِعُوا عَنِ النَّاسِ، وَيَشْتَغِلُوا بِإِصْلَاحِ بَوَاطِنِهِمْ، وَيُوَلُّوا وُجُوهَهُمْ شَطْرَ الْحَقِّ، فَهُمْ عَلَى سِيرَةِ مَنْ تَقَدَّمَ.
وَإِنَّمَا يُسَمَّى ذَلِكَ بِدْعَةً بِاعْتِبَارٍ مَا، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ، وَأَهْلُهَا مُتَّبِعُونَ لِلسُّنَّةِ، فَهِيَ طَرِيقَةٌ خَاصَّةٌ لِأُنَاسٍ، وَلِذَلِكَ لَمَّا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: فِي كَمْ تَجِبُ الزَّكَاةُ؟ قَالَ: عَلَى مَذْهَبِنَا أَمْ عَلَى مَذْهَبِكُمْ؟ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا؛ فَالْكُلُّ لِلَّهِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِكُمْ؛ فَكَذَا وَكَذَا، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ هَكَذَا؛ غَيْرَ مُحَقَّقَةٍ، وَلَا مُنَزَّلَةٍ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَلَا عَلَى أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَلَا بُدَّ مِنْ بَسْطِ طَرْفٍ مِنَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - بِحَوْلِ اللَّهِ - حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَقُّ فِيهَا لِمَنْ أَنْصَفَ وَلَمْ يُغَالِطْ نَفْسَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
1 / 258