أيها المفكرون الذين يقودون الفقير إلى هذا الموقف، أية كلمة تدخرونها لشقائه إذا هو اقتحم المعترك فسقط مغلوبا على أمره؟
لقد يكون حبكم للإنسانية المعذبة قد أهاب بكم إلى المناداة بهذه المبادئ، ولقد يجيء يوم يبارككم الناس فيه. أما اليوم فلا يسعنا أن نرسل البركة إليكم.
لقد كان الغني يقول للفقير فيما مضى: لي الأرض، فيجيبه الفقير: أما أنا فلي السماء. فبأية كلمة سيجيب الفقير الغني الآن؟
إن علل هذا العصر كلها قد نشأت عن سببين، فإن الشعب الذي مر على ثورتي سنة 1793 و1814 قد خرج منهما بجرحين. كل ما كان قد زال، وكل ما سيكون ليس كائنا بعد. هذان هما السببان، فمن العبث أن نفتش عن ثالث لهما.
ما حالنا إلا حال رجل تداعى مسكنه إلى الحضيض وقد بعثر أنقاضه ليقوم ببناء جديد. شمر الرجل عن ساعد الجد، وبدأ العمل وهو منتظر ورود الحجارة البيضاء الجديدة لرفع البناء، ولكن قيل له: إن الحجارة البيضاء بعيدة المنال؛ فعليه أن يصلح الحجارة السوداء القديمة. وسطا الذهول على هذا العامل الذي لا يريد أن يرفع بيته بمواد أخلقها الدهر، وموهتها الأيام بالسواد، ولكن ما العمل والمحجر عميق، ولا أدوات لديه لاستخراج الحجارة منه؟
وقف المتفرجون حوله وقالوا له: استخرج الحجارة من حين إلى حين، واشتغل على مهل.
وتكاثرت النصائح تبذل لهذا الرجل وهو واقف تحت سماء الله. لقد تهدم بيته القديم ولا بيت جديد له، فهو عرضة للحر والقر، لا يعلم أين يعمل، وأين يرتاح، وأين يأكل، وأين ينام، وأين يحيا، وأين يموت، وهو متعب مضطرب، وأطفاله يبكون في أسرتهم في العراء.
ومن أشبه بهذا الرجل منا؟
أي بني القرون المقبلة، إنكم ستنحنون في زمانكم على المحاريث تمزق أحشاء الأرض، فتبسم لكم بمروجها ونباتها أما بارة بالعاملين تغني لهم وهي تجر برود الأنوار في الصباح. في تلك الأزمنة سيكلل العرق جبينكم بالفرح والحبور، وإذ تسرحون أنظاركم على الآفاق الواسعة، فإنكم لن تجدوا في حقول الإنسانية إلا السنابل تتماوج متساوية وقد رصعتها الأزهار.
في ذلك الحين، عندما ترفعون رءوسكم لتؤدوا الشكر لله، أيها الأحرار؛ لأنه أوجدكم في عصر الحصاد، افتكروا فينا نحن الراحلين، وتذكروا أن ما تتمتعون به من هناء وسلام قد كلفنا كثيرا من الشقاء.
صفحة غير معروفة