وعلى كل، فأية أهمية لهذا الإشاعات وهي تدور على معاملتي لها وعلى عذابها؟ فهل تعني هذه الأمور أحدا سوانا؟ إن خير وسيلة في مثل هذه الحالة إنما هي عدم المبالاة، وهل بوسع أحد أن يمنع القيل والقال في القرى، ويرد هجمات العجائز عن امرأة تتخذ لها عشيقا؟
يقولون: إنني أعامل بريجيت معاملة سيئة، فما علي إلا إثبات عكس الأمر بالتي هي أحسن، لا بالزجر والمكابرة. إن تعرضي للمجادلة مع مركانسون وقصدي مغادرة القرية لمن مستدعيات السخرية.
يجب أن أبقى حيث أنا؛ لأنني إذا تواريت أفتح مجالا للمتقولين للادعاء بصحة إشاعاتهم.
إنني سأبقى ولا أبالي.
وعدت إلى بريجيت بعد مرور نصف ساعة غيرت في أثنائها رأيي ثلاث مرات، فأقنعتها بالعودة عما قررت بعد أن أخبرتها بما فعلته عندما غبت، وما توصلت إلى إقناعها إلا بشق النفس، وهكذا اتفقنا على أن نحتقر أقوال الناس، فلا نغير شيئا من حياتنا، وأقسمت لها أن غرامي سيعزيها فتسلو به جميع أحزانها، فتظاهرت بعودة الأمل إليها، وأكدت لها أن هذه الحوادث قد جلت لي موقفي منها، وأبانت إساءتي، ووعدتها بتطهير نفسي من جميع ما رسب في قلبي من جراثيم أيامي الماضيات؛ فلن تتعذب بعد الآن من كبريائي وجموح عواطفي.
وطوقتني بذراعيها وهي تخضع حزينة صابرة لخطرة من خطرات أهوائي كنت أحسبها أنا ومضة من العقل هدتني سواء السبيل.
الفصل الخامس
ودخلت يوما إلى مسكن بريجيت فرأيت باب الغرفة الصغيرة التي تدعوها المصلى مفتوحا، وما كان في هذه الغرفة إلا مصلى من الخشب، وهيكل يعلوه صليب حوله عدد من المزاهر، وكانت السجف بيضاء كالجدران الناصعة كالثلج. تلك كانت خلوة بريجيت، وقد أصبحت منذ اتصلت حياتها بحياتي لا تنقطع إليها إلا نادرا.
ونظرت إلى الداخل فإذا بريجيت جالسة على الأرض بين ما نثرت من الأزهار، وقد قبضت على إكليل صغير ذوت أوراقه وهي تفرطها بين أناملها.
وسألتها عما تفعل، فارتعشت ونهضت قائلة: لا شيء، هي لعبة أطفال، فهذا إكليل ورد قديم جف في هذا المصلى، وقد أتيت لاستبدال هذه الأزهار ...
صفحة غير معروفة