في أصل الإجماع، فكذلك توهم كون هذا المنقول حقيقة أو مجازًا لا يقدح في إجماع الصحابة على حقيقة الإنزال. دليل آخر في بيان تحقيق الإجماع بالنسبة إلى جمهور الإسلام: أن كلام الله منزل على نبيه ﷺ حقيقة، أنه لو قام شخص من الناس في أي زمان أو مكان في محفل عظيم جامع للعلماء والفضلاء والأذكياء وقال بلسان وصوت عالي يسمعه الحاضر أن كلام الله منزل على نبيه محمد ﷺ، لما أنكر عليه أحد ولسارعوا إلى تصديقه، ولو عكس المقالة لسارعوا عليه، ولا تطابق عليه الناس إما على قتله، وإما على قلة عقله، وإما على تكفيره وجهله، ومن كابر على هذا المقال فليجرب بنفسه هذا الحال ليختبر حينئذ المال. والشيء هو مقرر في أذهان العقلاء وعقائد هم على هذا الحد لا يكون جحده إلا مكابرة. والعجب أن كتب الأشاعرة مشحونة لأن كلام الله منزل على نبيه، ومكتوب في المصاحف، ومتلو بالألسنة على الحقيقة، ثم يقولون: المنزل هو عبارة، والمكتوب غير الكتابة، والمتلو غير التلاوة، ويشرعون في مناقضات ظاهرة وتعقبات باردة ركيكة. ويكفي في ضحد هذا المعتقد كونهم لا يستطيعون على التصريح به بل هم فيه على نحو من المراء. وسنبين في خاتمة الكتاب حقيقة الكلام في هذه المباحثات إن شاء الله تعالى. يعلم بما ذكرنا في الآيات والأخبار المتضمنة إجماع الصحابة وإجماع غيرهم من العلماء والعقلاء أن كلام الله القديم منزل على نبي الله ﷺ حقيقة لا مجازًا، والمنزل ليس إلا الحرف والصوت إما بالإجماع أو لاستحالة نزول المعنى القائم، فتعين أن يكون الحرف والصوت هو كلام الله ضرورة انعقاد الإجماع
1 / 39