وكان يقول في معنى الاستواء هو العلو والارتفاع ولم يزل الله تعالى عاليا رفيعا قبل أن يخلق عرشه فهو فوق كل شيء والعالي على كل شيء وإنما خص الله العرش لمعنى فيه مخالف لسائر الأشياء والعرش أفضل الأشياء وأرفعها فامتدح الله نفسه بأنه على العرش استوى أي عليه علا ولا يجوز ان يقال استوى بمماسة ولا بملاقاة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل ولا يلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش
وكان ينكر على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة وحكى عن عبدالرحمن بن مهدي عن مالك أن الله تعالى مستو على عرشه المجيد كما أخبر وأن علمه في كل مكان ولا يخلو شيء من علمه وعظم عليه الكلام في هذا واستبشعه
فهو سبحانه عالم بالأشياء مدبر لها من غير مخالطة ولا موالجة بل هو العالي عليها منفرد عنها وقرأ أحمد بن حنبل قوله تعالى
ﵟوهو القاهر فوق عبادهﵞ
وقرأ
ﵟإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعهﵞ
وقرأ
ﵟيدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدونﵞ
وقرأ
ﵟإني متوفيك ورافعك إليﵞ
وقرأ
ﵟيخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرونﵞ
وذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه إلى أن الله عز وجل يغضب ويرضى وأن له غضبا ورضى وقرأ أحمد قوله عز وجل
ﵟولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوىﵞ
فأضاف الغضب إلى نفسه وقال عز وجل
ﵟفلما آسفونا انتقمنا منهمﵞ
قال ابن عباس يعني اغضبونا وقوله أيضا
ﵟفجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنهﵞ
ومثل ذلك في القرآن كثير والغضب والرضى صفتان له من صفات نفسه لم يزل الله تعالى غاضبا على ما سبق في علمه أنه يكون ممن يعصيه ولم يزل راضيا على ما سبق في علمه أنه يكون مما يرضيه
وأنكر أصحابه على من يقول إن الرضى والغضب مخلوقان قالوا من قال ذلك لزمه أن غضب الله عز وجل على الكافرين يفنى وكذلك رضاه على الأنبياء والمؤمنين حتى لا يكون راضيا على أوليائه ولا ساخطا على أعدائه وسمى ما كان عن الصفة باسم الصفة مجازا في بعض الأشياء وسمى عذاب الله تعالى وعقابه غضبا وسخطا لأنهما عن الغضب كانا
صفحة ٢٩٧