375

الإعتبار وسلوة العارفين

مناطق
إيران
الامبراطوريات
الخلفاء في العراق

واعلم يا بني أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وأنك في منزل قلعة، ودار بلغة، وطريق إلى الآخرة، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو هاربه، فاذكر ما تهجم عليه، وتفضي بعد الموت إليه، [فاجعله أمامك حيث تراه، فيأتيك وقد أخذت منه حذرك، واذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم، فإن ذلك يزهدك في الدنيا، ويصغرها عندك، مع أن الدنيا قد نعت إليك نفسها، وكشفت لك عن مساويها] ، وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها، وتكالبهم عليها، فإنهم كلاب عاوية، وسباع ضارية، يهر بعضهم على بعض، ويأكل عزيزها ذليلها وكثيرها قليلها- أي بني- واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان لا يسير، وأن الله قد أذن في خراب الدنيا وعمارة الآخرة، فإن تزهد فيما زهدتك، ورغبت فيما رغبتك فيه، وتعزب نفسك عنها، فأهل ذاك أنت، وإن كنت غير قابل نصحي فاعلم علما يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك، فإنك في سبيل من كان قبلك، فاخفض في الطلب، وأجمل في المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب.

صفحة ٤٠٨