إعجاز القرآن للباقلاني
محقق
السيد أحمد صقر
الناشر
دار المعارف
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٩٩٧م
مكان النشر
مصر
وكقول طرفة: وقوفًا بها صحبي عليَّ مطيهم * يقولون لا تهلك أسى وتجلد (١) ومثل هذا كثير.
فإذا صح مثل ذلك في بعض البيت ولم يمتنع التوارد فيه، فكذلك لا يمتنع وقوعه في الكلام المنثور اتفاقًا غير مقصود إليه، فإذا اتفق لم يكن ذلك شعرًا.
وكذلك يمتنع التوارد على بيتين، وكذلك يمتنع في الكلام المنثور وقوع البيتين ونحوهما.
فثبت بهذا أن ما وقع هذا الموقع لم يعد شعرًا، وإنما يعد شعرًا ما إذا قصده صاحبه: تأتَّى له، ولم يمتنع عليه.
/ فإذا كان هو مع قصده لا يتأتى له، وإنما يعرض في كلامه عن غير
قصد إليه - لم يصح أن يقال: إنه شعر، ولا أن صاحبه شاعر، ولا يصح أن يقال: إن هذا يوجب أن مثل هذا لو اتفق من شاعر فيجب أن يكون شعرًا، لأنه لو قصده لكان يتأتى له (٢) .
وإنما لم يصح ذلك، لأن ما ليس بشعر فلا يجوز أن يكون شعرًا من أحد، وما كان شعرًا من أحد من الناس كان شعرًا من كل أحد (٣) .
ألا ترى أن السوقي (٤) قد يقول: " اسقني الماءَ يا غلامُ سريعًا "، وقد يتفق ذلك من الساهي ومن لا يقصد النظم.
فأما الشعر (٥) إذا بلغ الحد الذي بينا، فلا يصح أن يقع إلا من قاصد إليه.
وأما الرجز فإنه يعرض في كلام العوام كثيرًا، فإذا كان بيتًا واحدًا فليس ذلك بشعر.
وقد قيل: إن أقل ما يكون منه شعرًا أربعة أبيات، بعد أن تتفق قوافيها، ولم يتفق ذلك في القرآن بحال.
فأما دون أربعة أبيات منه أو ما يجري مجراه في قلة الكلمات، فليس بشعر.
_________
(١) ديوانه ص ٢١ (٢) س: " منه " (٣) م: " من واحد ... كل أحد من الناس " (٤) م: " أن المفحم إن أخذ السوقة " (٥) م: " فأما النظم " (*)
1 / 55