إعجاز القرآن للباقلاني
محقق
السيد أحمد صقر
الناشر
دار المعارف
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٩٩٧م
مكان النشر
مصر
ثم تناقله خلف عن سلف هم (١) مثلهم في كثرتهم وتوفر دواعيهم على نقله، حتى انتهى إلينا، على ما وصفناه من حاله.
فلن يتشكك أحد، ولا يجوز أن يتشكك، مع وجود هذه الأسباب،
في أنه أتى بهذا القرآن من عند الله تعالى.
فهذا أصل.
وإذا ثبت هذا الأصل وجودًا، فإنا نقول: إنه تحداهم إلى (٢) أن يأتوا بمثله، وقرعهم على ترك الإتيان به، طول السنين التي وصفناها، فلم يأتوا بذلك.
[وهذا أصل ثان] .
والذي يدل على هذا الأصل: أنا قد علمنا أن ذلك مذكور في القرآن في المواضع الكثيرة، كقوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبِ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأتُواْ بِسُورَةٍ مِن مِّثْلِهِ، وَادْعُواْ شَهدَاءَكُمِ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينْ.
فَإِن لَّم تَفْعَلُواْ وَلَنْ تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتي وَقُودُها النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ للِّكَافِرِينَ) (٣) .
وكقوله: (أم يَقُولُونَ افتَراهُ، قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُورٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ، وَادعُواْ مَن اسْتَطَعْتُم من دون الله إن كنتم صادقين.
فإن / لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُم فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُّنْزِلَ بِعِلِمِ اللَّهِ، وأَنْ لاَّ إلهَ إلاَّ هُوَ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون) (٤) .
فجعل عجزهم عن الإتيان بمثله دليلًا على أنه منه، ودليلًا على وحدانيته.
وذلك يدل عندنا على بطلان قول من زعم أنه لا يمكن أن تعلم بالقرآن الوحدانية، وزعم أن ذلك مما لا سبيل إليه إلا من جهة العقل، لأن القرآن كلام الله ﷿، ولا يصح أن يعلم الكلام حتى يعلم المتكلم أو لا.
فقلنا: إذا ثبت بما نبينه إعجازه، وأن الخلق لا يقدرون عليه - ثبت أن الذي أتى به غيرهم، وأنه إنما يختص بالقدرة عليه من يختص بالقدرة عليهم، وأنه صدق.
وإذا كان كذلك كان ما يتضمنه صدقًا، وليس إذا أمكن معرفته من جهة العقل امتنع أن يعرف من [طريق القرآن، بل
_________
(١) ا: " عن سلفهم " (٢) ا: " على " (٣) سورة البقرة: ٢٣ و٢٤ (٤) سورة هود: ١٣ و١٤ (*)
1 / 17