ثم أهل الزيغ والعصبية لآرائهم في الحق والباطل، ثم ضعاف الرواة ممن لا يميزون أو ممن تعارضهم الغفلة في التمييز، وذلك سواء كله ظلمات بعضها فوق بعض، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) .
وقد وردت روايات قليلة في أشياء زعموا أنها كانت قرآنًا ورفع. على أن
رسول الله ﷺ كان يقرر الأحكام عن ربه إذا لم ينزل بها قرآن، لأن السنة كانت تأتي مأتاه، ولذلك
قال ﵊: " أوتيت الكتاب ومثلَه معه " يعني السنن.
وعلى هذا الحديث يخرج في رأينا كل ما رووه مما حسبوه كان قرآنًا فرفع وبطلت تلاوته على قلة ذلك إن صح. لأنه يكون وحيًا، وليس كل وحي بقرآن، على أن ما ورد من ذلك ورد
معه اضطرابهم فيه وضعف وزنه في الرواية، وأكبر ظنًا أنها روايات متأخرة من محدثات الأمور،
وأن في هذه المحدثات لما هو أشد منها وأجدى بشؤمه. ولو كان من تلك شيء في العهد الأول
لرويت معها أقوال أخرى لأئمة الإثبات الذين كان إليهم المفزعُ من أصحاب رسول الله ﷺ وهم
كانوا يومثذ متوافرين، وكلهم مُقرن لذلك قوي عليه؛ وكانوا يعلمون أن المراء في القرآن كفر وردة، وإن إنكار بعضه كإنكاره جملة، وإن أجمعوا على ما في مصحف عثمان وأعطوه بَذلَ ألسنتهم في الشهادة، أي قوتها، وما استطاعت من تصديق.
ونحن من جهتنا نمنع كل المنع، ولا نعبأ أن يقال إنه ذهب من القرآن شيء، وإن تأولوا لذلك وتمحلوا، وإن أسندوا الرواية إلى جبريل وميكائيل ونعتد ذلك السوأة الصلعاء التي لا يرحُضها من جاء بها ولا يغسلها عن رأسه بعد قوله الله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) أفترى باطلهم جاءه من فوقه إذن؟ . .
ولا يتوهمن أحد أن نسبة بعض القول إلى الصحابة نص في أن ذلك القول الصحيح ألبتة،
فإن الصحابة غير معصومين، وقد جاءت روايات صحيحة بها أخطأ فيه بعضهم من فهم أشياء من
القرآن على عهد رسول الله ﷺ وذلك العهد هو ما هو، ثم بما وَهِل عنه بعضهم مما تحدثوا من
أحاديثه الشريفة، فأخطاوا في فهم ما سمعوا، ونقلنا في باب الرواية من تاريخ آداب العرب أن بعضهم كان يرد على بعض فيما يشبه لهم أنه الصواب خوف أن يكونوا قد وهموا.
وثبت أن عمر ﵁ شك في حديث فاطمة بنت قيس، بل شك في حديث عمار بن ياسر في التيمم لخوف الوهم، مع أن عمارًا ممن لا يتهم بتعمد الكذب، ولا بالكذب وهلة،
لصحبته وسابقته مع رسول الله ﷺ ولذلك أذن له عمر في رواية هذا الحديث مع شكه هو في صحته.
1 / 33