أقول : هذا أعجب مما مضى فإن الاعتبار في هذا الباب إنما هو لما صرح به الفقهاء وبحسب تفتيشهم ، ولما إدى إليه الظن بحسب تتبع أحوال ذلك الشخص ، ولسنا كلفنا في أمثال هذا الباب بعلم ما في نفس الأمر ، ولعمري إن مثل هذا التقرير يجري في جميع أوصاف الرجال ومراتبهم ، فهل يجوز لمن يقال عنده أن ابن تيمية شيخ الإسلام وفخر الأنام وكذا وكذا ، صرح به فلان وفلان أن يقول لا نعلم أنه كذا لجواز أن لا يكون في نفس الأمر كذا ولا على اعتمادا على قول فلان وفلان ، فإن العلماء يختلفون فتارة يجعلون رجلا شيخ الإسلام وآخرون يجعلونه مخرب الإسلام .
وبالجملة فمثل هذا التقرير ليس إلا كبناء بيت هدم.
ثم قال : وأما قول المعترض حتى كتب في رسالته " القول المنصور..." الخ ، فجوابه أن مجرد ذكر أبي عمران لا يرفع الجهالة حتى ينقل توثيقه عن كتاب معتمد عليه .
أقول : قد فرغنا عن هذا البحث في " السعي المشكور" ، وقد قلت في " التعليقات السنية" عند ذكر ترجمة محمود الزمخشري المتوفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمئة هكذا أرخ وفاته غير واحد فما في " الأكسير" لبعض أفاضل عصرنا أنه توفي سنة ثمان وعشرين وخمسمئة مما لا يلفت إليه .
قال في " شفاء العي" : هكذا في " كشف الظنون" عند ذكر " الكشاف" ، وصاحب " الإكسير" ناقل عنه .
أقول هذا غير كاف عند أرباب الفهم :
أما أولا : فلأن النقل الذهني ليس بكاف ولا أثر في " الأكسير" للنقل .
وأما ثانيا : فلأن " الكشف" نسخه المطبوعة مشتملة على مناقضات كبيرة ومسامحات كثيرة ، لا أدري أهي من مؤلفها أو من متممي طبعها ، فهل يجوز لفاضل أن ينقل كل ما فيه في حال النوم والغفلة .
صفحة ١٠٠