والتفتت إليه وقالت برقة: «قل لى ... هل تشعر أنى حرمتك شيئا تريده أو أبيت عليك أمرا لك رغبة فيه ...».
فتناول ذراعها وقال: «أنت أكرم من ذلك ... ثم إنك أعرف بى من أن تحتاجى إلى الحذر، أو تخافى عاقبة الطمع».
قالت: «اصدقنى».
قال: «سأصدقك ... نعم رغبت فى الكثير ... وزهدت فيه، أو قنعت بما دونه أو رضت نفسى على القناعة، لا خوفا من ضنك، بل خوفا عليك من نفسك. والإنسان طماع يا ميمى، ولا نهاية لما يريد، أو آخر لما يتطلع إليه ويشتهيه. وما يكف عن الرغبة إلا حين تنقطع أنفاسه ويملأ تراب الأرض فمه. ولكن هناك يا ميمى ما هو أجل وأمتع أيضا من إدراك المآرب. هناك لذة القدرة على ضبط النفس، والاكتفاء بما يفيد السعادة، وكبح النفس عن الإسراف والشطط بغير موجب. هذا الإدراك الصحيح الدقيق لقيمة ما ينال المرء بالقناعة، وللقيمة الحقيقية لما يشتهى وما تلج به الرغبة فيه، إذا ناله ... هذا الوزن الدقيق لهذه الأمور هو الذى يساعد على كبح النفس بلا أسف أو شعور بخسارة».
قالت ضاحكة: «هذا دأبك ... تتفلسف دائما».
فسألها: «إذن أصدقينى أنت ... هل أنت قانعة؟»
فأطرقت وهى سائرة. وتركت لحظات تمر قبل أن تقول: «لا أدرى.. هذه أول مرة ألقى فيها هذا السؤال على.. من نفسى أو منك.. لم أسمعه منك على ما أذكر، ولم أوجهه إلى نفسى.. وأقول الحق أنى مترددة..».
قال: «التردد معناه أن القناعة غير حاصلة».
قالت: «إنما أريد أن أقول أنى لم أفكر فى الأمر من قبل. ولكن سؤالك يثير فى نفسى خواطر وصورا شتى. وهذا ذنبك ... لماذا سألتنى؟ لماذا تغرى عينى بالامتداد إلى ما بعد الحاضر والواقع؟»
قال: «لا لا.. ليس هذا فعل السؤال.. لا تجهلى..».
صفحة غير معروفة