وسخر من نفسه إذ قال ذلك. من أبناء القرية؟ إنه من جدودها بل جدها الأعلى فيما يعلم!
وقال الرجل بصوت جاد كأنه الصفير «أيوه» ووقف ينتظر السؤال الثاني فقال إبراهيم: «أنا من مصر» كأنما أحب أن يبادله التعريف ويشعره أنهما ندان.
فقال الرجل: «ما شفتهاش يا أفندي».
فقال إبراهيم: «لم تخسر شيئا».
ولمعت عين الرجل وهو يحجب الشمس بكفه ويقول: بيجولو إنها جميلة. ما شفتهاش يا ابني. - ليست أجمل من قريتكم.
وسر الرجل هذا الثناء على قريته وبدا الارتياح في هزات رأسه وفي ازدياد عمق الأخاديد التي حفرها الزمن في وجهه وهو يبتسم وقال: بلدنا؟ الشبان ما يعرفوهاش يا افندي. بيرحلوا ويجعدوا في البنادر. يبعتوهم المدارس يجومو ما يطيجوش البلد تاني. بيعدموا الصحة حداك والمال كمان.
وتحمس فدق الأرض بالعصا وقال: «بجالي سبعين سنة عايش في الأرض ما هجرتها يوم. وأروح فين»؟
وابتسم ووقع كلامه من قلب إبراهيم فقال؟ - وهل كل الفلاحين مثلك؟ - أيوه. زيى؟ لع! ما حد زيي؟ شبان الزمان ده كيف يبجوا زيي؟ ما طيج أفوت ريحة الأرض.
وضحك الرجل أو على الأصح انفرجت شفتاه عن فمه الذي عاد أدرد كالكهف الخاوي وقال: إنه زي البجر اللي تهزل وتهبط لما يتغير الرعي.
ثم رفع يده التي فيها العصا وقال مشيرا إلى نوافذ السلاملك: بينادم عليك يا أفندى.
صفحة غير معروفة