ومغزى الحوار أن عقل الإنسان قادر بالنظر في خلق الله أن يصل إلى معرفة الخالق، وينكر عبادة الأوثان.
فلما أعيا النمروذ أن يخضعه سجنه ومنع عنه الطعام والماء، ومضى عليه عام في غيابته،
1
فأيقن الحارس أنه قد مات، ولكنه ناداه: يا إبراهيم، أأنت بقيد الحياة؟ فسمع جوابه: نعم، أنا بقيد الحياة.
فأمر الملك بضرب عنقه، فلم يعمل فيه السيف ... فأوقد له نارا ودفع به إلى أحد أعوانه ليقذف به فيها، فلما قاربها خرج من الأتون لسان من النار والتهم الجلاد ولم يقترب من إبراهيم.
فتشاور الملأ عند الملك في أمره، فاتفقوا على إحراقه وإلقائه في النار من منجنيق بعيد؛ مخافة من ألسنة النار، وضرع الملائكة إلى الله أن ينجيه، فأذن لهم أن يعملوا لنجاته ما يستطيعون، ولكنه أبى أن يعتمد في نجاته على أحد غير الله، وإذا بالجمر من حوله كأنه فراش من الورد والريحان.
ولم يصدق النمروذ أنها معجزة من الله، بل قال لإبراهيم: إنها من سحرك وحيلتك ... أما الأمراء والوزراء فخذلوا الملك وآمنوا برب إبراهيم.
ولم تذكر التوراة أن إبراهيم ألقي في النار، وإنما ورد في سفر دانيال من أخبار بابل أن نبوخذنصر غضب على ثلاثة من الفتية الصالحين؛ لأنهم لم يسجدوا لصنم من الذهب ... «حينئذ امتلأ نبوخذنصر غيظا، وتغير منظر وجهه على شدرخ وميشخ وعبدنغو ... وأمر بأن يحمى الأتون سبعة أضعاف ... وأمر جبابرة القوة في جيشه بأن يوثقوا شدرخ وميشخ وعبدنغو، ويلقوهم في أتون النار المتقدة، ثم أوثق هؤلاء الرجال في سراويلهم وأقمصتهم وأرديتهم ولباسهم وألقوا في وسط أتون النار المتقدة، والأتون قد حمي جدا، فقتل لهيب النار الرجال الذين رفعوا شدرخ وميشخ وعبدنغو ... وهؤلاء الثلاثة سقطوا موثقين في وسط الأتون ...
حينئذ تحير «نبوخذنصر» الملك، وقام مسرعا وسأل مشيريه : ألم نلق ثلاثة رجال موثقين في النار؟ فأجابوا وقالوا: نعم أيها الملك، قال: ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر، ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة! ثم اقترب نبوخذنصر إلى باب أتون النار المتقدة ونادى فقال: يا شدرخ وميشخ وعبدنغو، يا عبيد الله العلي، اخرجوا وتعالوا! فخرجوا. واجتمعت المرازبة
2
صفحة غير معروفة