111

إبراهيم أبو الأنبياء

تصانيف

3

الفخر كله بما بقي له من التراث القديم.

وهذه هي حصة البداوة في تهيئة الجو للرسالة النبوية.

أما حصة الحضارة، فهي أصول الاستقرار، وقواعد الشريعة، وحماية المعاملة، وأسباب السخط والثورة والدعوة إلى التغيير.

وهذه الأسباب موفورة في مدينة القافلة من جوانبها الحسنة ومن جوانبها السيئة على سواء، وعندها حصتها وافية لقيام الدعوة النبوية في زمان بعد زمان.

فمن الأسباب الحسنة التي تهيأت بها مدينة القوافل للرسالة النبوية: «شقة الحرام» أو الحرم المقدس، أي المكان الذي تبطل فيه العداوات، ويتلاقى فيه الناس من كل ملة ونحلة على سلام.

فهذا الحرم المأمون من مأثورات المدائن المطروقة بحكم موقعها، وتشعب الموارد منها وإليها.

وقديما نشأت مدائن كهذه بين دولتين متناظرتين على عداء دائم لا يهدأ إلا في تلك المدائن المطروقة، كمدينة تدمر أو بعلبك في موقعها بين دولة القياصرة من الغرب، ودولة الأكاسرة من الشرق، ويتبع هؤلاء وهؤلاء أخلاط من كل قوم، وكل لغة، وكل عقيدة، وبينهم ما لا بد أن يكون بين هذه الأخلاط من التنافر، أو من الخصومة، أو من التراث والدخول، أو من التزاحم في المصالح والتجارات، فإن لم يكن هنالك ملاذ يأمنه الجميع، وحرم يتسع لعبادة كل عابد، وولاء كل حاكم، تقطعت العلاقات، وأحجم الوارد، وبارت التجارة، وكسدت الأسواق.

ومن المدائن ما يقوم في أمة واحدة متفرقة القبائل والبطون يتربص بعضها لبعض في كل موقع وكل موسم، ولا غنى لها عن موقع واحد في موسم معلوم تنسى فيه هذه الفوارق، ويتلاقى الناس فيه للمعاملة والمعاونة لا للقتال والانتقام.

فهذه الشقة الحرام أحد الأسباب الحسنة التي تتهيأ بها المدائن على حافة الصحراء لرعاية الحرمات، وفهم القداسة في البيع والمناسك، وكفى بكلمة «البيعة» نفسها دليلا على فضل المدائن المطروقة في رعاية حرم العبادة من أقدم العصور، وكفى بكلمة «الاحترام» دليلا على الصلة بين هذه المحرمات وبين شعور التوقير والرعاية.

صفحة غير معروفة