وكان الشيخ ابن تيمية يعنى كل العناية بهذه الطبقة العاملة: فهو عليها حان عاطف، ولها موجه مرشد، وكثيرا ما عمل لرفع ما كان ينزل بهم من مظالم على اختلاف ضروبها، كما كان كذلك معنيا بالطبقة الأولى الحاكمة، فهو يبذل جهده في إبعادهم عن الظلم، وتوجيههم للخير في الدنيا والدين، وسنعرف من ذلك الكثير بعد حين. •••
ولعل من الواجب أن نلاحظ أن العلماء ورجال الدين البارزين بصفة خاصة، كانوا يعيشون في ذلك العصر معيشة راضية، بفضل ما كان يغدقه عليهم السلاطين والأمراء من وظائف ذات مرتبات طيبة؛ رغبة منهم في استمالتهم إلى جانبهم وضمانا لرضاهم عنهم؛ لأن إليهم قياد العامة في السخط والرضا.
وفي ذلك يذكر المؤرخ ابن كثير أنه في سنة 690 طلب القاضي بدر الدين بن جماعة من القدس على البريد إلى الديار المصرية لتوليته قضاء القضاة، بدل تقي الدين ابن بنت الأعز الذي عزل من هذا المنصب، فجاء القضاة إلى تهنئته.
ثم يقول عن ابن بنت الأعز: «وكان بيده سبعة عشر منصبا، منها: القضاء والخطابة، ونظر الأحباس، ومشيخة الشيوخ، ونظر الخزانة، وتداريس كبار.»
7
ويقول عنه ابن السبكي وعن مناصبه العديدة: «إنه كان من أحسن القضاة سيرة، جمع بين القضاء والوزارة، وولي مشيخة الخانقاه وخطابة الجامع الأزهر، وتدريس الشريفية وتدريس الشافعي والمشهد الحسيني بالقاهرة ...» إلى آخر ما قال عن المحنة التي جرت له.
8
وكذلك يقول المقريزي: «ولزم ابن بنت الأعز داره ولم يترك بيده شيء من الوظائف، وكان بيده سبع عشرة منها، وهي: القضاء بديار مصر، وخطابة الجامع الأزهر، ونظر الأحباس، ومشيخة الشيوخ، ونظر التركة الظاهرية ... وعدة تداريس، وألزم الإقامة في زاوية الشيخ نصر المنبجي خارج القاهرة ...» إلى آخر ما قال.
9
وبعد هذا نجد ابن كثير يذكر في حوادث سنة 701 أنه: «في يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول جلس قاضي القضاة وخطيب الخطباء بدر الدين بن جماعة بالخانقاه الشمساطية شيخ الشيوخ بها عن طلب الصوفية له بذلك ورغبتهم فيه، وذلك بعد وفاة الشيخ يوسف بن حمويه، وفرحت الصوفية به وجلسوا حوله. ولم تجتمع هذه المناصب لغيره قبله، ولا بلغنا أنها اجتمعت إلى أحد بعده في زماننا هذا: القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ.»
صفحة غير معروفة