189

إنك اليوم لدينا مكين أمين ، وقال تعالى في صفة جبريل:

إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين .

5

وهكذا يخلص لابن تيمية المقياس الذي يجب اتخاذه هاديا ومرشدا. على أننا نتساءل: هل القوة في كل عمل بمعنى واحد، أو أنها تختلف في معناها باختلاف أنواع الأعمال؟ ويجيب عن ذلك بقوله بعد ما تقدم: «القوة في كل ولاية بحسبها، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، وإلى الخبرة بالحروب والمخادعة فيها فإن الحرب خدعة، وإلى القدرة على أنواع القتال ... ونحو ذلك، كما قال تعالى:

وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل . وقال النبي

صلى الله عليه وسلم : «ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا.»

والقوة في الحكم بين الناس، ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام .»

وبعد أن بين الشيخ رحمه الله تعالى معنى القوة الذي يختلف باختلاف الولايات، نراه يذكر أن اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، وهذا حق بلا ريب؛ ولهذا كان سيدنا عمر بن الخطاب يقول: اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر (أي قوته وعظم احتماله)، وعجز الثقة!

وإذن، ما العمل إذا كان ركنا الولاية هما كما عرفنا القوة والأمانة؟ هنا نرى صاحب «السياسة الشرعية» يقول ما يحسن نقله بنصه: «فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة، والآخر أعظم قوة، قدم أنفعهما لتلك الولاية.

فيقدم في ولاية الحروب القوي الشجاع، وإن كان فيه فجور فيها، على الضعيف العاجز وإن كان أمينا. كما سئل الإمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، أحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيغزى مع القوي الفاجر، وقد قال النبي

صفحة غير معروفة