جرت العادة في القرون القديمة والقرون الوسطى على عد الطبيعيات قسما من الفلسفة؛ وذلك لأن الفلسفة كانت علم الموجودات وأحوالها وفق تعريفها القديم على الخصوص، وأدق من ذلك أن يقال: إن الطبيعيات كانت تدخل ضمن نطاق الفلسفة لاحتياجها إلى ما بعد الطبيعة، ولاحتياج ما بعد الطبيعة إليها، وكانت الطبيعيات في نظر قدماء الفلاسفة توجد في حقل الملاحظة وحقل العقل، وما كانت الملاحظة المحسوسة لتستغني عن القياس ولا العقل عن الحواس، فما كنت تجد هوة بين الدائرتين على الإطلاق.
ومن عدم الإنصاف نحو المناهج السكلاسية؛ أن اتهمت بتكوينها حول الموجودات آراء سابقة من غير اكتراث للتجربة، فلو أحسن إدراك روح هذه المذاهب المسنة لرئي أنه لا شيء أكثر خطأ من ذلك؛ وذلك أن القياس والملاحظة متداخلان في ذلك، وأن البحث النظري قائم على العلم الوضعي في ذلك، وأن العلم منتظم في ذلك بواسطة البحث النظري، فيوجد في ذلك انسجام بين الفكر والموضوع وبين المجرد والعين، وبين العقل والأشياء. والمبدأ السابق الوحيد الذي تجده هنالك هو المبدأ الذي يوكد وجود هذا التوافق، والذي يطالب الفيلسوف بيقين سابق بإمكان تطبيق العقل على الأشياء.
وليعن بدراسة تكوين فلسفة القرون الوسطى، ولينظر إلى أنها مدينة بأغاليطها - ضبطا - لوضعها نفسها ضمن تابعية وثيقة لعلم كان لا يزال ناقصا، لا لأنها استخفت بالعلم الوضعي.
وسنبدأ بإلقاء نور على هذا الأمر في الفصل الحاضر، وما نقوله، بعد ذلك، عن علم النفس وما بعد الطبيعة يتم إقامته.
ويستند علم النفس إلى الطبيعيات بلا انقطاع، وفي سكلاسية ابن سينا يدخل قسم من علم النفس، وهو الذي يدور موضوعه حول علم الأنفس، تحت عنوان الطبيعيات. وفضلا عن ذلك، فإن الطبيعيات ترتبط بما بعد الطبيعة؛ وذلك لأن سلسلة الموجودات متصلة من الهيولي إلى العقل، ثم إن من المفيد أن يذكر وجود صلات متبادلة تجمع بين الطبيعيات والمنطق. ولا غرو، فالمنطق يستعير من العالم الطبيعي كثيرا من المبادئ التي يحتاج إليها، ولا سيما مبادئ المقولات والعلل، كما أن المنطق، من ناحية أخرى، يعير الطبيعيات آلة مناهجه ونابض قياساته، ما دمنا نسلم بأن قوانين العقل تطبق على الطبيعة.
ولا نقصد القيام هنا بعرض تام لطبيعيات ابن سينا، فتاريخ الفلسفة، لا تاريخ العلوم هو ما نرى شغل بالنا به، ولكن بما أننا أشرنا - بالضبط - إلى أن الطبيعيات السكلاسية تشتمل على فلسفة، فإنه يجب أن نستخرج منها ما يتصل بموضوعنا، وهذا ما سنصنعه بسهولة ، وذلك بدرسنا بعض مبادئ هذا العلم الرئيسة أو قضاياه. •••
من الواضح أنه يوجد أساس طبيعي لمبدأي ما بعد الطبيعة الكبيرين: المادة، والصورة. وهما يبدوان في بدء الطبيعيات من النجاة
1
حيث جاء: «نقول إن الأجسام الطبيعية مركبة من مادة هي محل، وصورة هي حالة فيه، ونسبة المادة إلى الصورة نسبة النحاس إلى التمثال.» وكذلك المقولات مبادئ استوحتها الطبيعيات، «وفي مادة الجسم الطبيعي صور أخرى غير الصورة الجسمية، فلها صور مناسبة لباب الكيف ولباب الأين، ولغير ذلك. وإذا كان الأمر على هذا فللأجسام الطبيعية إذا أخذت على الإطلاق من المبادئ المقارنة مبدآن فقط: أحدهما المادة، والآخر الصورة. ولواحق الأجسام الطبيعية هي الأعراض العارضة من المقولات التسع، وفرق بين الصور وبين الأعراض؛ فإن الصور تحل مادة غير متقومة الذات على طبيعة نوعها، والأعراض تحل الجسم الطبيعي الذي تقوم بالمادة والصورة، وحصل نوعه.»
وللأجسام كمالات أولى وكمالات ثانية حددت هكذا: «وذلك إما كمالات أولى، وهي التي إذا ارتفعت بطل ما هي له كمالات، وإما كمالات ثانية لا يؤدي ارتفاعها إلى بطلان الشيء الذي هي له كمالات، بل يؤدي إلى ارتفاع صلاح حاله.»
صفحة غير معروفة