1
الراقي منسية أو مفهومة فهما سيئا، كانت الكتب الثانوية للدور المنحط المشتملة على مناهج ذات صبغة سكلاسية واسعة الانتشار. ويلوح لي أنه لم يحاول - قط - بذل جهد كبير ليقام ثانية تاريخ التعليم الفلسفي منذ الزمن الذي عقب أرسطو حتى قيام الفلسفة الكلامية الإسلامية، فلما ظهرت هذه السكلاسية الإسلامية عدت الفلسفة علما وحيدا حيا، متصلا بالعنعنات على الخصوص، لا مجموعة نظم غير ملتحمة. وقد حدث البعث الفلسفي عند العرب بدراسة الكتب القديمة مباشرة على ضوء تلك العنعنات وتحت تأثيرها.
ووجد مؤلفون من العرب كثير - ومنهم الفارابي، كما سنرى - قد أعربوا بصراحة عن الاعتقاد القائل بوحدة الفلسفة المخلوطة - في نظرهم - بالعلم ودوامه. وأشار المسعودي إلى كتاب له قد فقد، مع الأسف، وقال في موضع ما: «كنا ذكرنا كيف انتقل مجلس التعليم من أثينة إلى الإسكندرية من بلاد مصر، وجعل أوغسطس الملك، لما قتل قلوبطرة الملكة، التعليم بمكانين؛ الإسكندرية ورومية. ونقل تيدوسيوس الملك - الذي ظهر في أيامه أصحاب الكهف - التعليم من رومية ورده إياه إلى الإسكندرية، ولأي سبب نقل التعليم في أيام عمر بن عبد العزيز من الإسكندرية إلى أنطاكية، ثم انتقاله إلى حران في أيام المتوكل.»
2
فهذه الأسطر على شيء من الاختصار، ومن المحتمل ألا يكون قد عرض فيها بدقة بالغة سير العنعنات الفلسفية الحقيقي، وإنما تشير - على الأقل - إلى شيء من الروح، الذي يجب أن يكتب به هذا الفصل ويقرأ. •••
لم يكن فرع الأرومة السامية الذي كان يهيمن على الشرق قبل الفتح الإسلامي عربيا، بل آراميا يرد إليه الأدب السرياني، وكان المذهب اليوناني قد تسرب في الآراميين باكرا، وكان لدى هؤلاء كل الوقت لمعاناة نفوذه، وذلك حينما أزاحهم جيرانهم العرب عن سيطرتهم؛ ولذا يكون العرب قد وجدوا العنعنات الفلسفية قائمة - منذ زمن - عند قوم يمتون إليهم بالقرابة، فاستقبلهم هؤلاء القوم بلا عناء، وعلينا أن نوضح هذا الانتقال.
أخذ المذهب اليوناني - منذ أواسط القرن الثاني من التاريخ الميلادي - ينتشر في العالم الآرامي، مجلوبا بالنصرانية واللاهوت. وتم - حوالي ذلك الزمن - نقل الأسفار من العبرية إلى السريانية نقلا يشهد بمعرفة الترجمة السبعينية اليونانية،
3
وكان المرقونيون والفلنتيون، في الوقت نفسه، ذوي أتباع في الرها،
4
صفحة غير معروفة