فسخر له الحكيم روحانية هذه الصورة حتى كانت تأتيه في كل وقت، ولم يزل كذلك حتى تعب منها أيضا، وصفت نفسه من كدورة المحبة.
وشكر الملك للحكيم ما صنع، ولما جلس سلامان على العرش لم يفكر في غير الحكمة، فنال مجدا عظيما، وظهرت في مدة ملكه عجائب.
وتكتب هذه القصة على سبعة ألواح من ذهب، وتكتب أدعية الكواكب السبعة في سبعة ألواح أخرى أيضا، ويوضع الجميع في الهرمين بالقرب من قبور أجداد سلامان، ويقع الطوفانان، الناري والمائي، ويظهر الحكيم الإلهي، أفلاطون، ويريد البحث عن ذخائر العلوم في الهرمين، ويسافر إليهما، ولكن ملوك زمانه لم يساعدوه على فتحهما، فأوصى، عند وفاته، تلميذه، أرسطو، أن يواصل سعيه في هذا السبيل، وقد اغتنم أرسطو فرصة فتوح الإسكندر، ففتح باب الهرمين بطريقة كان أفلاطون قد أوصاه بها، وقد دخلهما الإسكندر، فأخرج منهما ألواح الذهب، التي كتبت عليها هذه القصة.
ومن الصعب أن يقال - حصرا - هل كانت هذه القصة تنطوي في ذهن واضعها على منهاج فلسفي معين، أو كانت رمزا واسعا يمكن كل واحد أن يدخل إليه شيئا من فكره، ومع ذلك، فإن ما نستطيع ملاحظته هو أن هذه القصة طبقت على الفلسفة الأفلاطونية الجديدة، وأنها طبقت بأصرح من ذلك على منهاج ابن سينا، وإليك تفسير نصير الدين الطوسي لها: «إن الملك هرمانوس هو العقل الفعال، وإن الحكيم هو الفيض، الذي يفيض عليه مما فوقه، وإن سلامان هو النفس الناطقة الصادرة عن العقل الفعال من غير تعلق بالجسمانيات، وإن أبسال هي القوة البدنية الحيوانية، وإن عشق سلامان لأبسال هو ميل النفس إلى اللذات البدنية، وإن هربهما إلى ما وراء بحر المغرب هو انغماسهما في الأمور الفانية، وإن تعذيبهما بالشوق مع الحرمان وهما متلاقيان، هو بقاء ميل النفس مع فتور القوى عن أفعالها بعد سن الانحطاط، وإن رجوع سلامان إلى أبيه هو التفطن للكمال والندامة، وإن إلقاء نفسيهما في البحر هو تورطهما في الهلاك، وإن خلاص سلامان هو بقاء النفس بعد البدن، وإن اطلاعه على صورة الزهرة هو التذاذ النفس بالكمالات العقلية، وإن جلوس سلامان على سرير الملك هو وصول النفس إلى كمالها الحقيقي، وإن الهرمين الباقيين على مرور الدهر هما الصورة والمادة الجسمانيتان.»
وإذا ما أقدمنا على إزلاق فكر شخصي تحت القصة بعد أن سمعنا هذا التفسير الدقيق، رأينا رمز الفلسفة في الهرمين اللذين أقيما في مصر منذ زمن قديم جدا، ففتحا من قبل أفلاطون وأرسطو، وبقيا على مرور الدهر. •••
لقد عرضنا نتائج هذا الكتاب في آخر الفصل السابق، وإنا إذ نختم به هذا الفصل وهذا الكتاب، وذلك على حين نودع قراءنا، ونودع أولئك الموتى الكرام السابقين، الذين كان فكرهم موضوع هذه الدراسة، لم أرد غير إضافة كلمة للجهر بلذة، تمتعت بها في الشهور الكثيرة، التي قضيتها في صحبة رجال آمنوا بالعقل، وبحثوا وفق قوانين المنطق، وعدوا جميع الفرضيات في كل صفحة، وميزوا جميع المعاني، واعتقدوا الحقيقة العامة، وأيقنوا بخلودها، وعدوا الفلسفة علما، وذهبوا إلى أن السياسة قسم من العلم، وقضوا بوجوب الحكم في الدول من قبل الحكماء، لا من قبل الغوغاء، واتصفوا بقلب كبير لم يروا معه نقص قيمة العقل باعترافهم أنه محدود، وبقولهم: إنه يوجد فوقه إمكان للمعرفة بالمعاينة، فحبا نفوسهم بوسيلة الانطلاق في بقاع حافلة بالأسرار، وقد بلغ هؤلاء الرجال من اتساع الذهن ما يستحق معه تنوع آرائهم أن يثير حسد هواة عصرنا، وذلك ما داموا قد جدوا بعقلهم أن يدركوا جميع المناهج، فيوفقوا بينها جميعا، ولم يعرفوا أي حاجز في حقل البحث العقلي، الذي ساروا به أحرارا من خلال جميع العلوم، وما داموا قد أرادوا أن تكون جميع ميادين النشاط مفتحة لهم، فارتقوا جميع درجات مرقاة الموجودات، ونزلوا منها بسهولة متساوية، هذه الدرجات، التي تبيح لها طبيعة ذهن الإنسان أن تتحرك من أعماق الأرض حتى الأفلاك العليا، ومن ظلمات الهيولى التي لا تدرك حتى أنوار العقل المحض.
جدول المطابقات بين السنين الهجرية والميلادية
بدءا من العام الهجري الأول حتى سنة 480 هجرية، أي بعد وفاة الشيخ الرئيس بنصف قرن
هجرية
ميلادية
صفحة غير معروفة