إلا أننا نظن أن البحث في الحرية الإنسانية أو في مسألة القضاء والقدر هو الذي أوحى إلى ابن سينا أن يقول:
لقد طفت في تلك المعاهد كلها
وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر
على ذقن، أو قارعا سن نادم
فإنه يرى أن النفس مكرهة على دخول الجسد، مكرهة على فراقه، وإنها لم تخلق العوائق التي تصدها عن الترقي في معارج الكمال، وإن التفاوت بين مقادير النفوس لا شك فيه، فلا حيلة للنفس الإنسانية في تقديره، ولا حيلة لها في رزقها لأنه مقسوم كما قال في بعض شعره:
فلا تجشعن فما إن ينال
من الرزق كل سوى قسطه
فكيف تسعد نفس فترقى إلى عليين، وتشقى نفس فلا تزال في القرار المهين.
لم ينته ابن سينا في كل كلامه على الثواب والعقاب إلى نتيجة غير التسليم؛ لأنه يؤمن بالعدل في نظام الوجود، وبالخير المحض من واجب الوجود، فلا يقع في الدنيا ظلم ظاهر إلا كان له وجه باطن من العدل، ولا يجري الشر إلا في مجرى الخير، ولا تنتهي الأمور إلا إلى أفضل النهايات.
صفحة غير معروفة