وابن طفيل هو صاحب قصة «حي بن يقظان» التي ترجمت إلى الإنجليزية في القرن السابع عشر، ونسب إليها نشاط القصة في العصر الحديث، وفحوى قصة حي بن يقظان أن الإنسان قد يصل إلى معرفة الله، ولو نشأ منفردا على جزيرة منعزلة لا يصحبه فيها أحد من بني نوعه، ويتمم رأيه في هذه القصة مذهبه في التصوف وإمكان الاتصال بالله وإدراك الحقائق الربانية برياضة النفس على الكشف والمناجاة.
18
ويبدو من أخبار ابن الطفيل وآثاره - على قلة هذه وتلك - أنه كان إلى مزاج الفنان الظريف أقرب منه إلى مزاج الفيلسوف الحكيم، وأنه كان خبيرا بفنون المنادمة والمسامرة، أثيرا عند أمير المؤمنين المنصور، لا يطيق هذا غيابه ولا يزال عنده أياما منقطعا عن أهله، وكان هذا هو الغالب على حكماء ذلك العصر وأطبائه ما عدا ابن رشد؛ فقد كان ابن ماجة يحسن فن النغم والإيقاع، وكان ينظم الموشحات ويلحنها ويغنيها، ومن موشحاته تلك الموشحة التي قيل إن صاحب سرقسطة أقسم ساعة سماعها لا يمشين ناظمها ومنشدها إلا على الذهب، وهي التي ختمها بقوله:
عقد الله راية النصر
لأمير العلا أبي بكر
ومن لباقته وحسن تصرفه في إرضاء الأمراء أنه أشفق من مغبة هذا القسم، فاحتال على تنفيذه بأن جعل في نعله قطعة من الذهب!
19
وكان ابن زهر زميل ابن رشد في الطب والحكمة أبرع أهل زمانه في فن التوشيح وفن التلحين، وله من الشعر الظريف ما يقل نظيره في بدائع الشعراء المنقطعين للهو والمنادمة ، وهو صاحب الأبيات في المرآة:
إني نظرت إلى المرآة أسألها
فأنكرت مقلتاي كل ما رأتا
صفحة غير معروفة