فأقبل محمد بن داود على أحمد بن عمار، وقال له: تفضل بالمصير إلي في هذا اليوم. وقبله قبولا ضعيفا، فصار إليه ابن عمار في ذلك اليوم ورجع إلى ابن الرومي فقال: إني أقمت عند الرجل وبت، وأريد أن تقصده وتشكره وتؤكد أمري معه - ومحمد بن داود في هذا الوقت متعطل ملازم منزله - فصار إليه وأكد له الأمر معه، وطال اختلافه إليه إلى أن ولي عبيد الله بن سليمان وزارة المعتضد، واستكتب محمد بن داود الجراح وأشخصه معه وقد خرج إلى الجبل، ورجع وقد زوجه بعض بناته وولاه ديوان المشرق، فاستخرج لابن عمار أقساطا أغناه بها، وأجرى عليه أيضا من ماله، ولم يزل يختلف إليه أيام حياة محمد بن داود.
وكان السبب في أن نعشه الله بعد العثار وانتاشه من الإقتار ابن الرومي، فما شكر ذلك له، وجعل يتخلفه ويعيبه، وبلغ ابن الرومي ذلك فهجاه بأهاج كثيرة ... قال ابن المسيب: ومن عجيب أمر عزير هذا أنه كان ينتقص ابن الرومي في حياته، ويزري على شعره، ويتعرض لهجائه، فلما مات ابن الرومي عمل كتابا في تفضيله ومختار شعره، وجلس يمليه على الناس.»
وجاء في الجزء الأول من العمدة لابن رشيق:
وهجا ابن الرومي البحتري - وابن الرومي من علمت - فأهدى إليه تخت متاع وكيس دراهم، وكتب إليه ليريه أن الهدية ليست تقية منه ولكن رقة عليه، وأنه لم يحمله على ما فعل إلا الفقر والحسد المفرط:
شاعر لا أهابه
نبحتني كلابه
إن من لا أعزه
لعزيز جوابه
وروى المرزباني في الموشح أن عبد الله بن يحيى العسكري أخبره عن أبي عثمان سعيد بن الحسن الناجم، أن البحتري قال له:
أشتهي أن أرى ابن الرومي! قال: فوعدته ليوم بعينه، وسألت ابن الرومي أن يصير إلي فيه، فأجابني إلى ذلك، فلما حصل ابن الرومي عندي وجهت إلى البحتري فصار إلي، فقال له البحتري: قد أقرأني أبو عيسى بن صاعد قصيدة لك في أبيه، وسألني عن الثواب عنها، فقلت: أعطوه لكل بيت دينارا، ثم تحدثا، فقال البحتري: عزمت على أن أعمل قصيدة على وزن قصيدة ابن الرومي الطائية في الهجاء، فقال له ابن الرومي: إياك والهجاء يا أبا عبادة، فليس من عملك وهو من عملي، فقال له: نتعاون. وعمل البحتري ثلاثة أبيات، وعمل ابن الرومي ثمانية، فلم يلحقه البحتري في الهجاء، وكان اجتماعهما عندي سببا للمودة بينهما.
صفحة غير معروفة