ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها
الناشر
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
قطعه الله على نفسه بحفظ هذا الذكر، حيث قال سبحانه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] ١.
وكان من مظاهر حفظ الله سبحانه لسنة نبيه ﷺ: أن هيأ لها خير قرون هذه الأمة، فتلقوها عنه ﷺ، وحفظوها في صدورهم، "وألقوا إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصًا صافيًا، وكان سندهم فيه - عن نبيهم ﷺ، عن جبريل، عن رب العالمين - سندًا صحيحًا عاليًا، وقالوا: هذا عهدُ نَبِيِّنَا إلينا، وقد عَهِدْنَا إليكم، وهذه وصيةُ رَبِّنَا وفرضُهُ علينا، وهي وَصِيَّتُهُ وفرضه عليكم. فجرى التابعون لهم بإحسان على منهاجهم القويم ... ثم سلك تابعو التابعين هذا المسلك الرشيد ... "٢.
ومع مرور الأيام، وتعاقب الأزمان، دخل في هذا الشأن من ليس من أهله، فوقع الوهم والغلط في الرواية، بل وظهر الكذب على النبي ﷺ.
فحينئذٍ أقام الله سبحانه طائفة من الأئمة الحفاظ، فاجتهدوا في جمع الأحاديث والآثار في الصحاح، والمسانيد، والسنن، والجوامع، والمعاجم، وغيرها؛ فلم ينقض القرن الرابع الهجري إلا وقد استوعبت مصنفاتهم أحاديث رسول الله ﷺ وآثار أصحابه، ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم، كما صنفت كتب الجرح والتعديل وبيان أحوال الرواة، فَعُرِفَ الثقة الثبت من المجروح العليل، مما مَكَّنَهُم من النظر في أسانيد الأحاديث والآثار، وتمييز الصحيح من الضعيف والسليم من المعلول من تلك
_________
١ وسيأتي - عن ابن القَيِّم وغيره - مزيد كلام على دخول السنة في الذكر الذي تكفل الله بحفظه. انظر ص: (٣٢٦ - ٣٢٩) .
٢ إعلام الموقعين: (١/٦) .
1 / 11