هذا ولم يقف النفوذ الفارسي في صدر الدولة العباسية عند السياسة والعلم والأدب، بل أخذ القوم بطرائقهم في الملبس والأثاث والآنية والمأكل، حتى إن ملوكهم كانت تصور على أقداح الخمر، قال أبو نواس:
تدور علينا الكأس في عسجدية
حبتها بأنواع التصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي جنباتها
مها تدريها بالقسي الفوارس
فللخمر ما زرت عليه جيوبهم
وللماء ما دارت عليه القلانس
وأسماء الملابس والمآكل والأواني والأزهار والأثاث تدلك على مبلغ الأثر الفارسي؛ لأن كثيرا منها معرب عن الفارسية.
فيمكننا والحالة هذه أن نقسم أثر الفرس في الأدب العربي إلى قسمين: الأول في دولة بني أمية، والثاني في دولة بني العباس، أما في عهد الأمويين فقد كان الأدب عربيا خالصا في المادة والمعنى، ولم يكن للفرس عمل فيه إلا مدارسته وحفظه وروايته، وأما في عهد بني العباس فقد كان أثرهم أعمق لا في الأسلوب البياني بل في التفكير والحس والخيال ؛ لأنهم حرصوا كثيرا على الديباجة العربية وأساليب العرب في البلاغة، فكان من وراء ذلك خير للأدب كثير، فهم والحالة هذه عرب في لغتهم وفصاحتهم وأساليب بيانهم، فرس في نسبهم وتفكيرهم وشعورهم وأخيلتهم.
نسب ابن المقفع ووطنه
صفحة غير معروفة