35

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

الناشر

دار الفكر العربي

مكان النشر

القاهرة

لا بد أنه قرأ فيما قرأ ذلك، حتى انتقل من المذهب المالكي إلى المذهب الشافعي فإن ذلك يرضي نزعته الفكرية. ورغبته الشديدة في الانتقال الفكري، والتحرر من كل القيود إلا ما كان من صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم.

لابد لنا من أن نفرض أنه اطلع على مأثورات للشافعي ترضي نزعته الفكرية فإنه ليس بين أيدينا ما يبين لنا السبب الذي من أجله انتقل من المذهب المالكي إلى المذهب الشافعي، وإذا لم يكن السبب معروفاً فلا بد أن نفرض فرضاً يكون قريباً من الواقع ليسد الخلة، ونجد أن روح النقد والتحرر الفكري الذي ظهر في ابن حزم يتلاقى مع المأثور من كتابات الشافعي، فإنك ترى في مأثورات الشافعي مع كتاب اختلاف مالك اختلاف العراقيين، والرد على سير الأوزاعي وجماع العلم، وكلها كتب نقد وجدال، وإن هذا يتفق كل الاتفاق مع روح ابن حزم ونزوعه الفكري.

٣٨١ - درس المذهب الشافعي، ومن طريقه أطل على مذهب العراقيين، ثم درس الفقه المأثور، وغيره، ولكن روحه التي لا ترضى بأن تبقى في إطار مذهبي لا تعدوه لم ترض أن تبقى ساكنة تحت سلطان المذهب الشافعي، ولعل الذي أعجبه في المذهب الشافعي شدة تمسكه بالنصوص، واعتباره الفقه نصاً أو حملاً على النص. وشدة حملته على مالك عندما كان يفتى بالاستحسان والمصالح المرسلة، وكتابته كتاباً خاصاً في إبطال الاستحسان، والاستحسان في عرف الشافعي يشمل الاستحسان الاصطلاحي، والمصالح المرسلة على ما بينا في موضعه، ولقد أخذ بعد ذلك محلق في النصوص.

ولكنه لم يلبث إلا قليلاً في المذهب الشافعي كما ذكرنا، ثم رأى فيه ما رأى داوود الأصبهاني شيخ المذهب الظاهري وتلميذ الشافعي، يدعو إلى التمسك بالنصوص وحدها، فلا طلب بالنهى أو الأمر إلا عن النص أو الأثر، وإلا فالأمر على الأحكام الأصلية بالاستصحاب، وقال كما قال داوود إن الأدلة التي ساقها الشافعي لإبطال الاستحسان هي التي تبطل القياس.

ولقد كان ذلك لأنه كان بين أساتذته الذين تلقى الفقه عليهم مسعود

35