ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
الناشر
دار الفكر العربي
مكان النشر
القاهرة
١٠ - وابن حزم قد وضع أصولا وحررها، ونهج منهاج الشافعي في أن حد منهاج استنباطه وطريق اجتهاده في أصول دونها وكتبها، وأسهب في بيانها، ووضعها في كتاب سماه «الإحكام في أصول الأحكام» فلا بد من دراسة تلك الأصول، وموازنتها بأصول الفقهاء عامة وأصول داود خاصة، وقد وضع مع ذلك الكتاب المستفيض كتاباً آخر موجزاً في أصول الظاهرية، فهل هما متلاقيان في الجميع، فلابد من دراسة ذلك ليعرف مقدار الاختلاف، إن كان بين منهاجه خاصة ومنهاج أهل الظاهرية عامة.
إن التمييز بين منهاجين متقاربين في أصل الفكرة صعب عسير، بخلاف التمييز بين المناهج المتباينة؛ لأنه إذا بعدت المسافة بين المنهاجين كانا مميزين بمقتضى ذلك الاختلاف البعيد، أما إذا تقاربا حتى اتحدا في الاسم، فإن التمييز حينئذ يقتضي استقصاء وتحرياً دقيقاً، ووزن كل فكرة ميزان حساس، ليعرف الفرق مع هذا الالتباس، وتقارب المقياس:
١١٠ - وإن ابن حزم فقيه ينكر القياس ويشتد في نقد فقهاء القياس نقداً مراً، ثم يشتد أيضاً في نقد فقهاء الاستحسان، فهل أسعفته النصوص والآثار في كل استنباطه، لقد اجتهد، وفرع الفروع، وشعب المسائل، وكتابه «المحلى» فيه إثبات من الفروع المختلفة. فهل أسعفه الأثر أو النص في كل ما فرع واستنبط؟ لا شك أنه قد أتى في دراساته الفقهية بأكبر مجموعة من الآثار، وقد يأخذ بأقوال الصحابة والتابعين، وبالصحاح المسندة وبالمرسلة والمنقطعة، وبالأحاديث المشهورة وغير المشهورة وكل ما لم يثبت أنه موضوع. ومع ذلك لا تحسب أن النصوص قد أسعفته بكل الأحكام في الفروع التي تصدى لها نفياً وإثباتاً. ولا بد أنه قد سلك في اجتهاده نوعاً من الاستنباط أياً كان مقداره، وأنه بنى على النصوص والآثار، ففرع الفروع وأصل الأصول. ووضع على هذه الأصول فروعاً تناسبها وجنى منها ثماراً تنتجها.
فمن أين الاستنباط؟ إن ذلك يحتاج إلى نظر، ولسنا نريد أن نقول إنه وقع في القياس حيث أراد مجانبته وأخذ به حيث أراد إبطاله، بل كتب الفصول والكتب في إبطاله. لا نريد ذلك. ولكن نريد أن نعرف مسلكه
13