بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد فإن دروسي هذا العام بقسم الشريعة من أقسام الدراسات العليا بكلية الحقوق - موضوعها الإمام أحمد بن حنبل، إمام دار السلام، وهذا الكتاب الذي أقدمه للملأ من الأمة الإسلامية هو خلاصتها، وفيه لبابها.
ولقد اتجهت في دراسة ذلك الإمام التقي الورع إلى دراسة حياته أولاً، تتبعته منذ نشأته الأولى طفلاً ثم يافعاً، وشاباً، وكهلاً، وكلها يتجه به نحو الإمامة في السنة وبها كانت إمامته في الفقه.
ولقد عنيت في أثناء دراسة حياته ببيان المحنة التي نزلت به، وأسبابها وأدوارها وكيف أعلت منزلته، ورفعت درجته، فسارت الركبان بذكره، وصار ورعه وزهده حديث الناس في كل البلدان الإسلامية.
حتى إذا أتممت دراسة حياته، اتجهت إلى دراسة موجزة لعصره، بينت فيها المجاوبة النفسية التي كانت بينه وبين معاصريه، والآراء الدينية التي كانت سائدة بين علماء الحديث والفقهاء، والأفكار التي كانت تتورد على العقل الإسلامي، ومحاولة بعض الأمراء والخلفاء أن يسوغوا آراء لدى الفقهاء والمحدثين، ولا يكادون يسيغونها، وأن المحاولة أنتجت مقاومة، وأن المقاومة انتهت بالاستمساك الشديد بما كان عليه السلف في نظر أولئك العلماء.
ولما بلغت من ذلك البيان الغاية التي أبتغي بيانها، اتجهت إلى النتيجة التي كانت هذه مقدماتها، وهي آراؤه في أصول الدين، وقيامه بحق السنة النبوية، وفقهه. أما آراؤه في أصول الدين فقد بينتها ببعض البيان؛ لأنها تصور آراء السلفيين في عصره أصدق تصوير، وهي صدى المقاومة العلمية الأثرية للمشارات الفكرية التي أثارها الذين نظروا في الحقائق الإسلامية نظرات فلسفية.
3