فإنك ما تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه، وقال رجل للحكم بن عتيبة: ما حمل أهل الأهواء على هذا؟ قال: الخصومات. وقال معاوية بن قرة، وكان أبوه ممن أتى النبي ﷺ: إياكم وهذه الخصومات، فإنها تحبط الأعمال. وقال أبو قلابة، وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله ﷺ: "لا تجالسوا أهل الأهواء، أو قال أصحاب الخصومات، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما يعرفون،ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث؟ قال: لا، قالا: فنقرأ عليك القرآن؟ قال: لا، لتقومان عني، أو لأقومنه، فقاما. فقال بعض القوم: وما عليك أن يقرآ عليك آية؟ قال: إني خشيت أن يقرآ علي آية، فيحرفاها، فيقر ذلك في قلبي، ولو أعلم أني أكون مثلي الساعة لتركتها،وقال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: يا أبا بكر، أسألك عن كلمة؟ فولى، وهو يقول: ولا نصف كلمة. وقال ابن طاووس لابنه لما كلمه رجل من أهل البدع: يا بني، أدخل أصبعيك في أذنيك، حتى لا تسمع ما يقول، ثم قال: اشدد:، اشدد،وقال عمر بن عبد العزيز: "من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل". وقال إبراهيم النخعي: إن القوم لم يدخر عنهم شيء خُبِّئ لكم، لفضل عندكم. وكان الحسن يقول: شرداء خالط قلبًا، يعني الأهواء. وقال حذيفة بن اليمان: اتقوا الله، وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدًا، ولئن تركتموه يمينًا وشمالًا، لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا، أو قال مبينًا.
وقد قال الله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله". وقال: "ألا له الخلق والأمر" فأخبر بالخلق، ثم قال "والأمر" فأخبر أن الأمر غير الخلق.(١) وقال عز وجل: "الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان" فأخبر أن القرآن من "علمه". وقال تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم، ما لك من الله من ولي ولا نصير". وقال: "ولئن أتيت الذين أوتوا
(١) وكأنه يشير رضي الله عنه بالتفرقة بين الخلق والأمر بأن القرآن من أمر الله لا من خلقه، فهو على هذا ليس بمخلوق.
136