10

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

٥- هذه مثارات تثار حول نسبة الفقه الحنبلي إلى الإمام أحمد، ولو أن مسلكنا في دراسة المذاهب أن ندرسها دراسة موضوعية، بأن ندرس المجموعة الفقهية التي تكون المذهب الحنبلي باعتبارها مجموعة فقهية متحدة المنهاج والنهاية، وحدّتها الفكرة والاتجاه، وإن لم توحدها النسبة - لاكتفينا بدراسة تلك المجموعة من غير بحث في نسبتها، ولكنا ندرس الإمام وفقهه، فحق علينا أن ندرس مقدار نسبة هذه المجموعة الفقهية إليه، وما يثار حولها من ظنون أو شك ندرسه، فإما أثبتناها أو نفيناها، وإما بينا مقدار قوته ومداه.

لذلك كان لا بد لنا من دراسة هذه الأمور المثيرة للريب؛ غير أنا نبادر، فنقرر أن مسلكنا في دراسة الأمور المقررة التي تلقاها العلماء في العصور المختلفة بالقبول هو أن نقبلها، حتى يقوم الدليل على بطلان نسبتها؛ ذلك لأن تلقى العلماء بالقبول لأمر من الأمور يجعل الظاهر يشهد له بالصدق، وصحة النسبة؛ إذ أن الأصحاب هم الذين نقلوا، والطبقة التي وليتهم هي التي تلقت كلامهم بالقبول، ثم الذين جاءوا من بعدهم صادقوا على ذلك النقل، فكان هذا التضافر مع قرب العصر شهادة لا ترد، حتى يقوم الدليل الناقض لبنيانها، المقوض لأركانها، إذ الظاهر شاهد بالصدق، ولا يرد الظاهر إلا إذا ثبت بالبرهان نقيضه، ولو أن كل ريب يبطل المقررات التي تلقاها العلماء بالقبول، ما نقل تاريخ، وما استفاد الناس من علم الأولين، وما صحت نسبة، وما قيل قول عن قائل، من أجل هذا نقبل فقه ابن حنبل على أن نسبته من المقررات، وندرس ما يثار حول هذه النسبة، فلا نقبل من هذه المثارات إلا ما يثبت بالبرهان بطلان نسبة فتوى أو قول، فلسنا نرد نسبة المذهب جملة لشك، ولا نهمل ما يقال، بل ندرس ونقابل ونقايس، ونعطي كل أمر حقه من الدراسة ومما ينتهي إليه.

ولا نقف محاجزين بين المقدمة وما تنتجه، ولا بين الدليل وما يؤدي إليه، فإن ذلك ليس من العلم في شيء.

٦ - وإننا إذ نتجه إلى دراسة الفقه الحنبلي بعد تحقيق نسبته، أو بالأحرى

9