وكلما ازداد الحب ازداد الإيمان، وعلى مقدار الحب وبه نفهم غاية الحياة وسرها والمراد منها.
ما خلقنا إلا للعبادة والمحبة، فحب الله روح العبادة، وهو رجوع بالنفس إلى الفطرة، وهو وفاء بعهد سابق؛ حينما أخذ العهد والميثاق على الأرواح.
وحب الله - تعالى - يحول الأرواح إلى لطائف راضية مطمئنة، لا يصدر عنها شر ولا عدوان، بل رضا وإيمان، وإخاء وصفاء؛ لأنه يسمو بالإنسان إلى محبة كل شيء في الوجود، فحينما يتصور الإنسان أن كل شيء في هذا الكون من صنع المحبوب، يرى الوجود خيرا وجمالا وكمالا، وحينما يتصور أن أقدار الحياة من إرادة المحبوب؛ يرى كل قدر رحمة وخيرا، وبركة وفضلا؛ لأن هوى المحب مع إرادة المحبوب أبدا.»
الحب ولقاء الله
يقول محيي الدين: «إن المحب في أشواق دائمة إلى ربه، فهو متبرم بالبقاء في هذا الهيكل الذي يحجبه عن النقلة الكبرى إلى الدار الأخرى؛ حيث اللقاء والبقاء؛ لهذا تنغصت عليه حياته الدنيا شوقا إلى ذلك اللقاء، فهو صافي العيش كدره، طيب الحياة متبرم بها في نفس الأمر لا في نفسه، قد ذهب عنه كل مخلوق، وهابه كل ناظر، ذو أنس بالله دائما، وقور خجول، في قلبه ذكر وتعظيم، مرآة للحق حليم، صابر محتمل، فارغ من الدنيا والآخرة، لا يأسف على شيء؛ إذ لا يرى غير الله، تبكي عينه ويضحك قلبه، لا يشتغل عن الحق طرفة عين، عرف ربه بربه، مهدي في أحواله، مستوحش من الخلق بحبه، جامع للتجليات، مضنون به، مستور بولهه ، محبوس في المواقف رضي عن الله، ورضي الله عنه، وذلك هو الفوز العظيم.»
محيي الدين ووحدة الوجود
قمة الحب الإلهي عند العارفين من أئمة المتصوفة هي حال الفناء، فناء المحب في محبوبه فناء معنويا لا يمكن تصوره، وكيف نتصور ما ليس بصورة، وليس للمعنويات صور محسوسة ملموسة، وهذا هو حب العارفين - كما يقول محيي الدين - الذين يمتازون عن العوام أصحاب الاتحاد.
ولقد ملأ الشعراء والأدباء، أصحاب الحب الأرضي الدنيا بألحان حبهم وصور غرامهم؛ فجعلوا الحياة هي الحب، وجعلوا الحب ملكا من ملائكة السماء بل إلها وربا، وجعلوا الغرام اتحادا واستغراقا وفناء، وصوروه بشتيت الصور المعنوية والحسية، وأطلقوا في آفاقه استعارات المبالغة، وتشبيهات مهولة؛ فصفقوا لهم إكبارا، وأقاموا لهم التماثيل إعجابا، وسجدوا وتبتلوا، في محاريبهم الشهوانية.
وقال الشعراء والأدباء من أصحاب الهوى الجنسي: إن المحب يرى محبوبه في كل شيء، ويتلون به كل شيء، يراه في الماء والسماء والهواء، يراه في كأس شرابه، ويشاهده في ألوان طعامه، وفي بسمة الفجر وإشراقة الشمس، وشعاع البدر. بل يراه في كل جهة يولي وجهه إليها.
يقول المترنمون بالجنس هذا؛ فتصفق لهم الدنيا إعجابا وإجلالا، وتخفق لهم القلوب رحمة وحنانا، وتدمع العيون رثاء وإشفاقا.
صفحة غير معروفة