والشفع والوتر
والكل عدد، فميز؟ ثم أخرج - صلوات الله عليه - خمسة دراهم بيده المباركة، فرمى درهمين بمعزل، ورمى ثلاثة بمعزل، وقال لي: ينبغي لمن سئل عن هذه المسألة أن يقول للسائل: عن أي عدد تسأل؛ عن العدد المسمى شفعا، أم عن العدد المسمى وترا؟ ثم وضع يده على الثلاثة وقال: هذا أقل الجمع في عدد الوتر، وهذا أقل الجمع في عدد الشفع. فما رأيت أحسن منه معلما!»
الأرواح بعد الموت
وإذا كان العلم الحديث، يقص علينا أنباء استحضار الأرواح ومناجاتها بعد الموت، وإذا كان الروحانيون من العلماء يقولون: إن لهم صلات تنتج معرفة بتلك الأرواح، فإن المتصوفة داخل مملكتهم لا يحجب بعضهم عن بعض - كما يقولون - شبر من تراب. كناية عن القبر.
روى البخاري أن النبي - صلوات الله عليه - مر بحائط من حيطان مكة أو المدينة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير!» ثم قال: «بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة.» وزاد الإمام أحمد - رضي الله عنه: «ولولا تمرغ قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع.»
لولا تمرغ القلوب البشرية في أهواء الحياة وشهواتها لكشفت عنها الحجب؛ فرأت من آيات ربها الكبرى ما فيه شفاء للموقنين، وهدى ورحمة لكل من كان له قلب يعي، أو ألقى السمع وهو شهيد.
يقول محيي الدين في حديثه عن منازل يوم السبت: «إني كنت يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة بمكة، قد دخلت الطواف، فرأيت رجلا حسن الهيئة له هيبة، وهو يطوف أمامي، فجعلت بالي منه أن أعرفه فما عرفته، ولم أر عليه علامة قادم من سفر؛ لما كان عليه من الغضاضة والنضرة، ثم رأيته يمر بين الرجلين المتلاصقين في الطواف فيعبر بينهما ولا يفصلهما، فجعلت أتتبع بأقدامي أقدامه؛ ما يرفع قدما إلا وضعت قدمي في موضع قدمه، وذهني فيه وعيني معه؛ لئلا يفوتني، فكنت أمر بالرجلين المتلاصقين اللذين يمر بينهما في أثره فأجوزهما ولا أفصل بينهما، فتعجبت من ذلك، فلما أكمل طوافه وأراد الخروج، مسكته وسلمت عليه، فتبسم لي ورد السلام علي، وأنا لا أصرف نظري عنه؛ مخافة أن يفوتني، فإني ما شككت أنه روح متجسد، وعلمت أن البصر يقيده، فقلت له: إني لأعلم أنك روح متجسد. فقال: صدقت. فقلت له: فمن أنت يرحمك الله؟ قال: «أنا السبتي» ابن هارون الرشيد. قلت له: أريد أن أسألك عن حال كنت عليه في أيام حياتك في الدنيا. قال: قل. قلت له: بلغني أنك ما سميت السبتي إلا لكونك كنت تحترف كل سبت بقدر ما تأكله في بقية الأسبوع. فقال: الذي بلغك صحيح. فقلت له: فلم خصصت يوم السبت وحده دون سائر أيام الأسبوع؟ فقال: بلغني أن الله ابتدأ خلق العالم يوم الأحد، وأكمله يوم الجمعة، فلما كان يوم السبت، قال: أنا الملك لي الملك. هذا بلغني في الأخبار، وأنا في الحياة الدنيا، فقلت: والله لأعملن على هذا؛ فتفرغت لعبادة الله من يوم الأحد إلى آخر الستة الأيام، لا أشتغل بشيء إلا بعبادته - تعالى، وأقول: إن الله - تعالى - كما اعتنى بنا في هذه الأيام الستة، فأنا أتفرغ لعبادته، ولا أمزجها بشغل نفسي، فإذا كان يوم السبت أتفرغ لنفسي، وأنظر ما يفوتها في سائر الأسبوع.
وفتح لي في ذلك. فقلت له: ومن كان قطب الزمان في حياتك الدنيا؟ فقال: أنا. قلت: بذلك وقع التعريف. قال: صدق من عرفك، ثم قال: عن أمرك. يريد المفارقة. فقلت له: ذلك إليك؛ فسلم علي سلام محب وانصرف. فلما فارقته وكان بعض أصحابي مع الجماعة في انتظاري؛ لكونهم كانوا يقرأون علينا: إحياء علوم الدين.
1
فلما فرغت من ركعتي الطواف وجئت إليهم، قال لي بعضهم: رأيناك تكلم رجلا غريبا حسن الوجه، ما نعرفه، فمن هو؟ ومتى جاء؟ قلت : هذا ليس لكم.»
صفحة غير معروفة