وهو اسم ورد في العهد القديم، واختلف الشراح في نسبته إلى أصله، ويرى بعضهم أنه من مادة الإزالة العربية، ويقول آخرون إنه كان رئيس الملائكة الذين هبطوا إلى الأرض فأعجبهم «بنات الناس» وتزوجوا منهن، ثم انهزم أمام جند السماء فلاذ بالصحراء، ويقال أيضا إن إبليس كان يسمى عزازيل، ثم سقط فزال مكانه من السماء.
وقد كان من عادة اليهود أن يقترعوا على ضحيتين تذبح إحداهما للرب «يهوا»، وترسل الثانية محملة بالخطايا إلى عزازيل رب الأرض الخراب. وشيطنة اليوم في لغة المجاز مرادفة لمعنى العظمة التي تحتفظ بحق التضحية لها، وحمل القرابين إليها، ولو كانت تساق إلى عرش يستوي على مملكة الخراب.
وليس بين أسماء الشيطان الأكبر التي دخلت في مدلولات اللغة ما هو أشهر ولا أدل من هذه الأسماء: الشيطان، وإبليس، ولوسيفر، وبعلزبول، ومفستوفليس، وعزازيل، فهي اليوم كلمات وأعلام، وقد اجتمع لها من معاني الشيطنة كل ما نستقصيه فيما يلي متفرقا عن تواريخ الأمم والديانات حول «قوة الشر الكبرى»، أو قوة الشر العالمية في موقفها أمام عوامل الخير والكمال.
الشيطان في الحضارة المصرية
من أقدم الحضارات التي تمثلت فيها قوة الشر في صورة شخصية مميزة باسمها وملامحها حضارة مصر القديمة.
فمن أقدم عصور المملكة القديمة عرف المصريون حساب الروح بعد الموت، وموازين الجزاء على الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، وشروط البقاء التي تستوفيها الروح لتنعم بالحياة الأبدية في العالم الآخر. ولم يكن العالم الآخر عندهم مؤجلا أو منتظرا في المستقبل بعد خراب هذا العالم الدنيوي، ولكنه كان امتدادا للعالم الذي هم فيه - وهو الديار المصرية - وهو كارثة طامة لم يكن من اليسير عليهم أن يتخيلوها ويتخيلوا عالما قائما بعدها، وإنما كانوا يتخيلون مصر عالمين دائمين في كل وقت؛ أحدهما ظاهر يسكنه أحياؤهم، والآخر باطن يسكنه موتاهم، فإذا حدث الخراب في الأرض فإنما هو عارض يجنيه الظلم على الحاكمين والمحكومين، ثم يزول العارض وتعود البلاد سيرتها الأولى مع انتظام الحكم على سنن العدل والإنصاف، وتأتي الحياة بعد الموت متصلة بالحياة على وجه الأرض، مستبقية لمطالبها ومآكلها ومشاربها في ظل حكومة كحكومتها، أو هي في ظل حاكم خالد كان فعلا في يوم من الأيام حاكم الأرض المصرية أثناء حياته الفانية.
وفي كل أمة من الأمم القديمة الكبرى يتناقل الكهان والشعب قصة عن نقمة الإله الأكبر على الجنس البشري، وندمه على خلقهم، وتفكيره في إبادتهم عقابا لهم على ذنوبهم. وتختلف هذه الذنوب باختلاف الأمم والكهانات؛ فهي تارة مسألة تقصير في الضحايا، وتارة مسألة غيرة «إلهية» من المعرفة البشرية، وتارة أخرى مسألة فساد واشتغال باللذات إلى غير ذلك مما سجلته قصص الخلق والعقاب في جميع الأساطير الأولى.
أما هذه القصة في الديانة المصرية، فهي قصة حاكم يغضب على المحكومين لأنهم ثاروا عليه وهموا بخلعه؛ لأنهم استضعفوه، وظنوا أنه شاخ وهرم فلم تبق فيه بقية للقدرة على ولاية الأمور.
وقد كتبت هذه القصة على جدران الحجرة الخاصة في هيكل سيتي الأول، الذي بني حوالي سنة (1350) قبل الميلاد، وخلاصتها أن الإله الأكبر «رع» علم بتآمر البشر على العصيان، فعقد مجلس الآلهة وشاورهم في أمر هذه الفتنة، فاستقر الرأي على إبادة العصاة، وأرسل الإله الأكبر عينه عليهم، فألفاهم قد هجروا الديار ولاذوا بالجبال، وتعقبهم جنوده فأثخنوا فيهم القتل حتى فاضت الأرض بالدماء، وبقيت منهم بقايا تتوارى هنا وهناك من زبانيته، فحزن «رع» لأنه أحس حقا بالعجز عن إبادة العصاة أجمعين، وطفق بعض الأرباب يواسونه ويقولون له: إن مشيئته وقدرته سواء، فكل ما يشاء فهو قادر عليه.
وتتم القصة على صورة أقرب إلى الرفق والمسامحة، فيقال في ختامها: إن «رع» سئم الكنود من رعاياه، فأجمع نيته على الاعتزال والإقامة في السماء، فندم الناس على كنودهم وعصيانهم، وتابوا إليه؛ فلم يعدل الإله الأكبر عن نيته، ولكنه أمر إله الحكمة «توت» أن يلقن الناس أسرار الحكمة وتعاويذ الوقاية من الآفات، ومنها الهوام والثعابين، وأن يهدي بها إلى السلامة من هو أهل للهداية.
صفحة غير معروفة