ـ[حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة]ـ
المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: ٩١١هـ)
المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم
الناشر: دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه - مصر
الطبعة: الأولى ١٣٨٧ هـ - ١٩٦٧ م
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي، وأضيفت تراجمه لخدمة التراجم]
صفحة غير معروفة
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير:
يعتبر دخول العرب مصر سنة ٢٠ من الهجرة على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص مولد تاريخ جديد لهذه البلاد، ذات الماضي البعيد، فلم يكد يتم الفتح، وتستقر الأحوال بها بعد الوقائع الحربية المعروفة، حتى أخذ سكانها يدخلون في دين الله أفواجًا، وتنشرح صدورهم للقرآن الكريم، وتصطنع ألسنتهم اللسان العربي المبين؛ وتصبح العربي لغة الدواوين. ثم يرحل إليها أعيان الصحابة وجلة التابعين، ويهوي نحوها الفقهاء والقراء وحفاظ الحديث ورواة اللغة والأدب والشعر، وتبنى فيها المساجد؛ لإقامة شعائر العبادات. ومدارسة علوم الدين، وللفصل في ساحتها بين الناس، كما أنشئت فيها المدارس لتلقي العلوم والمعارف، وألحقت به خزائن الكتب؛ لجذب العلماء من شتى الجهات؛ مما ارتفع به شأن العلم، وازدهرت الفنون والآداب.
وتولى مقاليد الحكم فيها على مر العصور من الولاة والخلفاء والملوك والسلاطين؛ من فتحوا أبوابهم للعافين، والوافدين، واستمعوا إلى الشعراء والمادحين، وأجازوا على التأليف والتصنيف، وقاموا في بناء الحضارة الإسلامية بأوفى نصيب.
بل إن مصر كانت -وما زالت- حمية الملة والدين، وراعية الإسلام والمسلمين، وقاهرة الغزاة والمعتدين؛ مما جعلها أعز مكان في الوطن العربي الكبير.
فكان من حق هذا الإقليم أن يشغل مكانه في التاريخ، وأن يخص بعناية العلماء والمؤرخين، وأن تفرد لوصف ملامحه المؤلفات، وأن يُتدارس تاريخه في كل مكان
المقدمة / 3
وزمان ... وكذلك الأمر والحمد لله كان، فقد نبغ من العلماء القدامى والمحدثين مَنْ وضعوا في تاريخ مصر المصنفات تختلف طولًا وقصرًا، وتتباين طريقة ومنهاجا؛ منهم ابن عبد الحكم وأبو عمر الكندي وابن ميسر والمسبحي والقضاعي وابن دقماق وابن زولاق والأدفوي والعماد الأصبهاني وابن حجر والمقريزي والسيوطي والجبرتي وأبو السرور البكري وابن تغري بردي وابن إياس.
وكتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، الذي صنفه الجلال السيوطي من أنفس الكتب التي صدرت عن هؤلاء الأعلام، وأعذبها موردًا، وأصفاها منهلًا، وأسدها منهجًا، وأوضحها فصولًا وأبوابًا، وأوفاها استيعابًا وشمولًا، سلك فيه طريقًا قصدًا، ليس بالطويل المستطرد المشوش، ولا بالمقتضب الخالي من النفع والجدوى، بدأه بذكر ما ورد في شأن مصر من الآثار في القرآن الكريم والحديث الشريف، ثم ثناه بذكر تاريخ مصر في عهدها القديم، عهد الفراعنة وبناة الأهرام، على حسب ما وقع لديه من المعارف، وعلى حسب ما كان شائعًا في عصره، ثم وصف الفتح الإسلامي وما صحبه من وقائع وأحداث، وما تم من امتزاج المصريين بالعرب تحت راية الإسلام، ثم ذكر الوافدين على مصر ومن نبغ فيها من أصحاب المذاهب، ومن عاش بها من الحفاظ والمؤرخين والقراء والقصاص والشعرء والمتطيبين وغيرهم؛ مع ذكر نُبذ من حياتهم وتاريخ موالدهم ووفاياتهم. ولم يخل كتابه من تاريخ الولاة الذين تعاقبوا عليها، والقضاة الذين حكموا فيها، والحكومات التي قامت بها، وما بُني فيها من المساجد والمدارس والخانقاهات.
ومن أمتع ما ورد فيها تلك الفصول التي عقدها في ذكر عادات المصريين ومواسمهم وأعيادهم والأسباب الدائرة بينهم؛ وما كان فيها من أندية الأدب ومجالس الشعر والسمر، على منهج طريف أخاذ.
المقدمة / 4
وكان سبيله في كل ما أورده من هذا الكتاب النقل عن الكتب المتخصصة في هذا الشأن، مضافًا إليها ما وقع له من المشاهدة، أو ما نقله سماعًا من علماء عصره، من الشيوخ والأقران والتلاميذ.
وللسيوطي منهج معروف يذكره في مقدمات بعض كتبه -وخاصة المطولة منها- أن يورد مصادره من الكتب التي اعتمد عليها وأسماء مؤلفيها؛ فعل ذلك في كتاب بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، وكتاب الإتقان في علوم القرآن؛ وفعل ذلك أيضًا في هذا الكتاب، قال: "وقد طالعت على هذا الكتاب كتبًا شتى، منها فتوح مصر لابن عبد الحكم، وفضائل مصر لأبي عمر الكندي، وتاريخ مصر لابن زولاق، والخطط للقضاعي، وتاريخ مصر لابن ميسر، وإيقاظ المتغفل وإيعاظ المتأمل لتاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوج الزبيري، والخطط للمقريزي، والمسالك لابن فضل الله العمري، ومختصره للشيخ تقي الدين الكرماني، ومناهج الفكر ومناهج العبر لمحمد بن عبد لله الأنصاري، وعنوان السير لمحمد بن عبد لله الهمذاني، وتاريخ الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي، والتجريد في الصحابة للذهبي، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، ورجال الكتب العشرة للحسيني، وطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء له، وطبقات الشافعية للسبكي، وللإسنوي، وطبقات المالكية لابن فرحون، وطبقات الحنفية لابن دقماق، ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي، وتاريخ الإسلام لابن حجر، والطالع السعيد في أخبار الصعيد للأدفوي، وسجع الهديل في أخبار النيل لأحمد بن يوسف التيفاشي، والسكردان لابن أبي حجلة، وثمار الأوراق لابن حجة". هذا غير ما ذكره في تضاعيف الكتاب من المراجع الأخرى.
وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات، يشيع في معظمها التصحيف والتحريف والخطأ؛
المقدمة / 5
طُبع طبع حجر بمصر سنة ١٨٦٠م، وطبع في مطبعة الوطن، سنة ١٢٩٩هـ، وطبع بمطبعة الموسوعات سنة ١٣٢٤هـ، وطبع بمطبعة السعادة سنة ١٣٢٤هـ، وطبع بالمطبعة الشرقية سنة ١٣٢٧هـ، وطبع منه جزء صغير مع ترجمة لاتينية سنة ١٨٣٤م، كما أودع دور الكتب في العالم شرقًا وغربًا كثير من نسخة المخطوطة.
وحينما شرعت في تحقيق هذا الكتاب رجعت إلى نسخة مخطوطة بالمكتبة التيمورية بدار لكتب برقم ٢٣٩٤ تاريخ - تيمور، تمت كتابتها في رجب سنة ٩٧٧هـ، تقع في ٤٦٥ صحفة، في كل صفحة ٣٥ سطرًا تقريبًا، وفي كل سطر
حوالي ٢٠ كلمة، كتبت بخط معتاد يجنح إلى الصحة الإتقان والضبط القليل، ووضعت العنوانات بخط أغلظ، وفي حواشيها ما يشير إلى قراءتها ومقابلتها، وقد اتخذت هذه النسخة أصلًا في التحقيق.
كما أني تخيرت مما طبع نسختين قريبتين من الصحة: النسخة المطبوعة في مطبعة الوطن، ورمزت إليها بالحرف "ط"، والنسخة المطبوعة بمصر على الحجر وقد رمزت إليه بالحرف "ح".
ثم رجعت إلى ما يتسر لي الحصول عليه من المصادر التي ذكرها، وما اقتضاه الأمر من الرجوع إلى الكتب الأخرى في التفسير، والحديث والأدب ودواوين الشعر ومعاجم اللغة.
هذا، وقد جعلت من منهجي في هذا الكتاب ألا أسرف في التعليق، أو أستطرد في الشرح والتفسير، إلا بالقدر الذي يعين على فهم النص وبه تستقيم العبارات، محاولًا أن يبدو الكتاب في أقرب صورة من نسخة المؤلف، وأن أقوم في آخر الكتاب بعمل الفهارس المتنوعة التي تقرب نفعة، وتدني جناه.
وتصدر هذه الطبعة في جزأين، ينتهي الأول منهما بذكر أخبار الخلفاء الفاطميين أو كما سماهم المؤلف: "أمراء مصر من بني عبيد". ويبدأ الجزء الثاني بذكر أمراء مصر من حين ملكها بنو أيوب، وينتهي بالفصل الذي عقده في حبوب مصر وخضرواتها وبقولها.
وأما الجلال السيوطي المؤلف، فقد عقد لنفسه فصلًا في هذا الكتاب (١) تحدث فيه عن
_________
(١) حسن المحاضرة١: ٣٣٥-٣٤٤ "طبعة الحلبي".
المقدمة / 6
نسبه وأجداده، وذكر أن مولده كان: "بعد المغرب مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة"، كما ذكر الكتب التي درسها، والشيوخ الذين تلقى عنهم، والبلاد التي رحل إليها، والعلوم التي حذقها، والكتب التي ألفها، مما يعد وثيقة تاريخية في حياة هذا العالم الجليل.
وقد ظل السيوطي طوال حياته مشغوفًا بالدرس مشتغلًا بالعلم، يتلقاه عن شيوخه أو يبذله لتلاميذه، أو يذيعه فتيًا، أو يحرره في الكتب والأسفار؛ وحينما
تقدم به العمر، وأحس من نفسه الضعف، خلا بنفسه في منزله بروضة المقياس، واعتزل الناس، وتجرد للعبادة والتصنيف، وألف كتابه: "التنفيس في الاعتذار عن الفتيا والتدريس".
وكان ﵀ في حياته الخاصة على أحسن ما يكون عليها العلماء ورجال الفضل والدين، عفيفًا كريمًا، غني النفس، متباعدًا عن ذوي الجاه والسلطان، لا يقف بباب أمير أو وزير؛ قانعًا برزقة من خانقاه شيخو، لا يطمع فيما سواه.
وكان الأمراء والوزراء يأتون لزيارته ويعرضون عليه أعطياتهم فيردها. ورُوي أن السلطان الغوري أرسل إليه مرة خصيًا وألف دينار، فرد الدنانير، وأخذ الخصي ثم أعتقه، وجعله حارسًا في الحجرة النبوية، وقال لرسول السلطان: لا تعد تأتينا قط بهدية؛ فإن الله أغنانًا عن ذلك.
وأما كتبه فقد أحصى السيوطي منها في كتابه نحوًا من ثلاثمائة؛ في التفسير وتعلقاته والقراءات، والحديث وتعلقاته، والفقه وتعلقاته، وفن العربية وتعلقاته، وفن الأصول والبيان والتصوف، وفن التاريخ والأدب، والأجزاء المفردة، ما بين كبير في مجلد أو مجلدات، وصغير في كراريس أو أوراق. وذكر تلميذه الداودي المالكي أنها أنافت على خمسمائة مؤلف. وقال ابن إياس في تاريخه "حوادث ٩١١": إنها بلغت ستمائة مؤلف.
وتقع هذه الكتب في مجلد أو مجلدات؛ كالمزهر والإتقان والأشباه والنظائر وبغية الوعاة والدر المنثور في التفسير بالمأثور، والجامع الصغير والجامع الكبير وأمثالها، أو في أوارق أو صفحات؛ كهذه الرسائل التي طبعت باسم الحاوي في الفتاوي؛ في مجلد يحوي ثمانية وسبعين كتابًا في معظم الفنون. وقد تدارس العلماء هذه الكتب في كل مكان،
المقدمة / 7
وانتشرت في حياة السيوطي وبعده، وعمرت بها المدارس والمعاهد ودور الكتب، وكاتبه المستفتون في شتى الجهات؛ مما أثار عليه فريقًا من أقرانه ومعاصريه من العلماء، وتحاملوا عليه، ورموه بما هو منه براء؛ وكان من أشد الناس خصومة عليه، وكثرهم تجريجًا وتشهيرًا، المؤرخ شمس الدين السخاوي، صاحب كتاب الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع؛ فقد ترجم له في هذا الكتاب، ونال من علمه وخلقه؛ مما يقع مثله بين النظراء والأنداد.
وانتصر السيوطي لنفسه في مقامة اسمها: الكاوي على تاريخ السخاوي، كما انتصر له فريق من تلاميذه وفريق من العلماء ممن جاء بعده، منهم الشوكاني صاحب البدر الطالع؛ قال في ترجمته للسيوطي بعد أن لخص مطاعن السخاوي فيه، ورد هذه المطاعن عنه: "على كل حال فهو غير مقبول عليه لما عرفت من قول أئمة الجرح والتعديل، بعدم قبول قول الأقران بعضهم في بعض؛ مع ظهور أدنى منافسة؛ فكيف لمثل هذه المنافسة بين هذين الرجلين التي أفضت إلى تأليف بعضهم في بعض! فإن أقل من هذا يوجب عدم القبول. والسخاوي ﵀ وإن كان إمامًا غير مدفوع؛ لكنه كثير التحامل على أكابر أقرانه".
وكانت وفاة السيوطي على ما ذكره ابن إياس في الخميس تاسع شهري جمادى الأولى سنة ٩١١هـ، ودفن بجوار خانقاه قوصون (١) خارج باب القرافة، بعد أن ملأ الدنيا علمًا، وشهرة وذكرًا (٢) . رحمة الله عيه.
يناير سنة ١٩٦٨م.
محمد أبو الفضل إبراهيم.
_________
(١) وضع العلامة أحمد تيمور بحثًا في قبر السيوطي وتحقيق موضعه، ونشر بالمكتبة السلفية بمصر سنة ١٣٤٦هـ. وفي العام الماضي قمت مع صديقي العلامة الأديب الشاعر المتفنن الأستاذ سيد إبراهيم الخطاط بزيارة قبر السيوطي، في ضوء ما حققه تيمور؛ فوجدناه مقاما على مسجد؛ يكاد لا يُعرف بعد أن كانت -كما أخبرنا بعض من لقيناه هناك- الصلوات تقام فيه؛ وتؤدى الشعائر. ولعل القائمين بأمر المساجد في القاهرة يعنون بهذا المسجد وإعادة إحياء الشعائر فيه، تقديرًا لذكرى العالم الجليل.
(٢) انظر مقدمتنا لكل من كتابي بغية الوعاة في أخبار النحاة، والإتقان في علوم القرآن للمؤلف.
المقدمة / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف:
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا.
قال الشيخ الإمام العالم العلامة، وحيد دهره، وفريد عصره، المحقق جلال الدين السيوطي، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته. آمين.
الحمد لله الذي فاوت بين العباد، وفضل بعض خلقه على بعض حتى في الأمكنة والبلاد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفصح من نطق بالضاد، وعلى آله وصحبه السادة الأمجاد.
هذا كتاب سميته: "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة"، وأوردت فيه فوائد سنية، وغرائب مستعذبة مرضية، تصلح لمسامرة الجليس، وتكون للوحدة نعم الأنيس، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه، وجعلنا ممن يحمد قصده ولا يخيب مسعاه؛ بمنه وكرمه.
وقد طالعت على هذا الكتاب كتبًا شتى، منها فتوح مصر لابن عبد الحكم، وفضائل مصر لأبي عمر الكندي، وتاريخ مصر لابن زولاق، والخطط للقضاعي وتاريخ مصر لابن ميسر (١)، وإيقاظ المتغفل وإيعاظ المتأمل لتاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوج الزبيري، والخطط للمقريزي، والمسالك لابن فضل الله، ومختصره للشيخ تقي الدين الكرماني، ومباهج الفكر ومناهج العبر لمحمد بن عبد الله الأنصاري، وعنوان السير لمحمد بن عبد الملك الهمذني، وتاريخ الصحابة الذين نزلوا
_________
(١) في حاشيتي ح، ط: "وفي نسخة: لابن يونس".
1 / 3
مصر لمحمد بن الربيع الجيزي، والتجريد في الصحابة للذهبي، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، ورجال الكتب العشرة للحسيني، وطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء له، وطبقات الشافعية للسبكي، وطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء له، وطبقات الشافعية للسبكي، وللإسنوي، وطبقات المالكية لابن فرحون، وطبقات الحنفية لابن دُقماق، ومرآن الزمان لسبط ابن الجوزي، وتاريخ الإسلام للذهبي، والعبر له والبداية والنهاية لابن كثير، وإنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر، والطالع السعيد في أخبار الصعيد للأدفوي، وسجع الهديل (١) في أخبار النيل لأحمد بن يوسف التيفاشي، والسكردان لابن أبي حجلة، وثمار الأوراق لابن حجة.
_________
(١) في الأصل: "الهذيل"، بالذل المعجمة، وصوابه من ط.
1 / 4
ذكر المواضع التي وقع فيها ذكر مصر في القرآن صريحًا أو كناية
قال ابن زولاق (١): ذكرت مصر في القرآن في ثمانية وعشرين موضعا.
قلت: بل أكثر من ثلاثين.
قال الله تعالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ (٢)، وقرئ: "اهبطوا مصرَ" بلا تنوين، فعلى هذا هي مصر المعروفة قطعًا، وعلى قراءة التنوين، يحمل ذلك على الصرف اعتبارًا بالمكان؛ كما هو المقرر في العربية في جميع أسماء البلاد، وأنها تذكر وتؤنث، وتصرف وتمنع. وقد أخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي العالية في قوله: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ قال: يعني مصر فرعون.
وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾ (٣) .
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ (٤) .
وقال تعالى حكاية عن يونس ﵊: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ (٥) .
_________
(١) هو الحسن بن إبراهيم بن الحسين، من ولد سليمان بن زولاق، مؤرخ مصر، ومن كتبه: خطط مصر ومختصر تاريخ مصر. توفي سنة ٣٨٧. ابن خلكان ١: ١٣٤.
(٢) سورة البقرة: ٦١.
(٣) سورة يونس: ٨٧.
(٤) سورة يوسف: ٢١.
(٥) سورة يوسف: ٩٩.
1 / 5
وقال تعالى حكاية عن فرعون: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ (١) .
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ (٢) .
وقال تعالى: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ (٣) .
وقال تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ (٤) .
وقال تعالى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ (٥)، أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن السدي أن المدينة في هذه الآية منف، وكان فرعون بها.
وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ (٦) . أخرج ابن أبي حاتم، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية، قال: هي مصر، قال: وليس الربا إلا بمصر، والماء حين يرسل، تكون الربا عليها القرى، "و" لولا الربا لغرقت القرى. وأخرج ابن المنذر في تفسيره، عن وهب بن منبه، في قوله: ﴿إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾، قال: مصر. وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق، من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أن عيسى كان يرى العجائب في صباه إلهامًا من الله، ففشا ذلك في اليهود، وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل، فخافت أمه عليه، فأوحى الله إليها أن تنطلق به إلى أرض مصر؛ فذلك قوله تعالى ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ﴾؛ قال: يعني مصر. وأخرج ابن عساكر، عن زيد بن أسلم في قوله: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾، قال: هي الإسكندرية.
_________
(١) سورة الزخرف: ٥١.
(٢) سورة يوسف: ٣٠.
(٣) سورة القصص: ١٨.
(٤) سورة القصص: ١٨.
(٥) سورة القصص: ٢٠.
(٦) سورة المؤمنون: ٥٠.
1 / 6
وقال تعالى حكايةً عن يوسف ﵊: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ﴾ (١)، أخرج ابن جرير، عن ابن زيد في الآية، قال: كان لفرعون خزائن كثيرة بأرض مصر، فأسلمها سلطانه إليه.
وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ (٢)، أخرج ابن جرير، عن السدي في الآية قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمرها.
وقال تعالى في أول السورة: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ (٣) .
وقال تعالى: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي﴾ (٤)، قال ابن جرير: أي لن أفارق الأرض التي أنا بها -وهي مصر- حتى يأذن لي أبي بالخروج منها.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ (٥) .
وقال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (٦) .
وقال تعالى: ﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾ (٧) .
وقال تعالى: ﴿لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ (٨) .
وقال تعالى: ﴿أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ (٩) .
وقال تعالى: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ (١٠)، إلى قوله:
_________
(١) سورة يوسف: ٥٥.
(٢) سورة يوسف: ٥٦.
(٣) سورة يوسف: ٢١.
(٤) سورة يوسف: ٨٠.
(٥) سورة القصص: ٤.
(٦) سورة القصص: ٥، ٦.
(٧) سورة القصص: ١٩.
(٨) سورة غافر: ٢٩.
(٩) سورة غافر: ٢٦.
(١٠) سورة الأعراف: ١٢٧.
1 / 7
﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ (١)، إلى قوله: ﴿قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (٢) .
المراد بالأرض في هذه الآيات كلها مصر.
وعن ابن عباس -وقد ذكر مصر، فقال: سميت مصر بالأرض كلها في عشرة مواضع من القرآن.
قلت: بل في اثني عشر موضعًا أو أكثر.
وقال تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ (٣)؛ قال الليث بن سعد: هي مصر؛ بارك فيها بالنيل. حكاه أبو حيان في تفسيره.
وقال القرطبي في هذه الآية: الظاهر أنهم ورثوا أرض القبط. وقيل: هي أرض الشام ومصر؛ قاله ابن إسحاق وقتادة وغيرهما.
وقال تعالى في سورتي الأعراف والشعراء: ﴿يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ﴾ (٤) .
وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا﴾ (٥) .
وقال تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ (٦) .
وقال تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ (٧)؛ قال الكندي: لا يعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر.
_________
(١) سورة الأعراف: ١٢٨.
(٢) سورة الأعراف: ١٢٩.
(٣) سورة الأعراف: ١٣٧.
(٤) سورة الأعراف: ١١٠، الشعراء: ٣٥.
(٥) سورة الأعراف: ١٢٣.
(٦) سورة الشعراء: ٥٧، ٥٨.
(٧) سورة الدخان: ٢٥، ٢٦.
1 / 8
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾ (١)، أورده ابن زولاق. وقال القرطبي في تفسيره: أي منزل صدق محمود مختار -يعني مصر. وقال الضحاك: هي مصر والشام.
وقال تعالى: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ (٢)، أورده ابن زولاق وقال: الربا لا تكون إلا بمصر.
وقال تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (٣)، أورده ابن زولاق أيضًا، وحكاه أبو حيان في تفسيره قولًا إنها مصر، وضعفه.
قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ (٤) . قال قوم: هي مصر، وقواه ابن كثير في تفسيره.
وقال تعالى: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ (٥)، قال عكرمة: منها القراطيس التي بمصر.
وقال تعالى: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ (٦) . قال محمد بن كعب القرظي: هي الإسكندرية.
_________
(١) سورة يونس: ٩٣.
(٢) سورة البقرة: ٢٦٥.
(٣) سورة المائدة: ٢١.
(٤) سورة السجدة: ٢٧.
(٥) سورة فصلت: ١٠.
(٦) سورة الفجر: ٧، ٨.
1 / 9
لطيفةعن الكندي في أمر يوسف ﵇:
قال الكندي (١): قال الله تعالى حكايةً عن يوسف ﵊: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ (٢)، فجعل الشام بدوًا؛ وسمى مصر مصرًا ومدينةً.
فائدة
في ذكر ما اشتهر على الألسنة في قوله تعالى ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ أنها مصر:
اشتهر على ألسنة كثير من الناس في قوله تعالى: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ (٣)، أنها مصر؛ وقد نص ابن الصلاح وغيره على أن ذلك غلط نشأ من تصحيف؛ وإنما الوارد عن مجاهد وغيره من مفسري السلف: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾، قال: مصيرهم؛ فصحف بمصر.
_________
(١) هو محمد بن يوسف بن يعقوب أبو عمر الكندي، المؤرخ المصري، وهو غير الكندي الفيلسوف صاحب كتاب قضاة مصر؛ وكتابه فضائل مصر، صنفه لكافور الإخشيدي، توفي بعد سنة ٣٥٥: الأعلام ٨: ٢١.
(٢) سورة يوسف: ١٠٠.
(٣) سورة الأعراف: ١٤٥.
1 / 10
ذكر الآثار التي ورد فيها ذكر مصر:
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم (١) في فتوح مصر: حدثنا أشهب بن عبد العزيز وعبد الملك بن مسلمة، قالا (٢): حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا". قال ابن شهاب: وكان يقال: إن أم إسماعيل ﵊ منهم (٣) . وأخرجه أيضًا الليث، عن ابن شهاب، وفي آخره: قال الليث: قلت لابن شهاب: ما رحمهم؟ قال: إن أم إسماعيل منهم. وأخرجه أيضًا من طريق ابن عيينة وابن إسحاق عن ابن شهاب. وهذا حديث صحيح، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي وأبو نعيم، كلاهما في دلائل النبوة.
وأخرج مسلم في صحيحه، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله ﷺ: "ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط؛ فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحما".
وأخرج مسلم، وابن عبد الحكم في الفتوح، ومحمد بن الربيع الجيزي في كتاب: من دخل مصر من الصحابة، والبيهقي في دلائل النبوة، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله ﷺ: "إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط،
_________
(١) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم أبو القاسم؛ المؤرخ المصري ابن الفقيه عبد الله صاحب سيرة عمر بن عبد العزيز. توفي سنة ٢٥٧: الأعلام ٤: ٨٦.
(٢) في الأصول: "قال" وصوابه من فتوح مصر.
(٣) فتوح مصر ٢.
1 / 11
فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا؛ فإذا رأيت رجلين يقتتلان على موضع لبنة، فاخرج منها". فمر أبو ذر بربيعة وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان في موضع لبنة، فخرج منها (١) .
وأخرج ابن عبد الحكيم من طريق بحير بن ذاخر المعافري، عن عمرو بن العاص، عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرًا؛ فإن لكم منهم صهرًا وذمةً" (٢) .
وأخرج الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في دلائل النبوة؛ بسند صحيح؛ عن أم سلمة، أن رسول الله ﷺ أوصى عند وفاته، فقال: "الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله" (٣) .
وأخرج أبو يعلى في مسنده، وابن عبد الحكم بسندٍ صحيح؛ من طريق ابن هانئ الخولاني، عن أبي عبد الرحمن الحبلي وعمرو بن حريث وغيرهما، أن رسول الله ﷺ قال: "ستقدمون على قوم جعد رءوسهم، فاستوصوا بهم خيرًا؛ فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله" -يعني قبط مصر (٤) .
وأخرج ابن عبد الحكم، من طريق ابن سالم الجيشاني وسفيان بن هانئ، أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ أخبره أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "إنكم ستكونون إجنادًا، وإن خير أجنادكم أهل المغرب؛ فاتقوا الله في القبط، لا تأكلوهم أكل الحضر" (٥) .
_________
(١) فتوح مصر ٢، ٣ وصحيح مسلم ١٩٧٠.
(٢) فتوح مصر ٣.
(٣) فتوح مصر ٣.
(٤) فتوح مصر ٣.
(٥) فتوح مصر ٣؛ والحضر؛ هو الذي يتحين طعام الناس حتى يحضره.
1 / 12
وأخرج ابن عبد الحكم، عن مسلم بن يسار، أن رسول الله ﷺ قال: "استوصوا بالقبط خيرًا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم" (١) .
وأخرج ابن عبد الحكم، عن موسى بن أبي أيوب الغافقي (٢)، عن رجل من المربد، أن رسول الله ﷺ مرض، فأُغمي عليه ثم أفاق، فقال: "استوصوا بالأدم الجعد"؛ ثم أُغمي عليه الثانية ثم أفاق، فقال مثل ذلك، ثم أُغمي عليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول الله ﷺ عن الأدم الجعد! فأفاق، فسألوه فقال: "قبط مصر؛ فإنهم أخوال وأصهار، وهم أعوانكم على عدوكم، وأعوانكم على دينكم"، فقالوا: كيف يكونون أعوانًا على ديننا يا رسول الله؟ فقال: "يكفونكم أعمال الدنيا فتتفرغون للعبادة؛ فالراضي بما يؤتَى إليهم كالفاعل بهم، والكاره بما يؤتى إليهم من الظلم كالمتنزه عنهم" (٣) .
وأخرج ابن عبد الحكيم عن ابن لهيعة، قال: حدثني عمر مولى غفرة (٤)، أن رسول الله ﷺ قال: "الله الله في أهل الذمة، أهل المدرة السوداء، السحم الجعاد؛ فإن لهم نسبًا وصهرًا". قال عمر مولى غفرة: صهرهم أن رسول الله ﷺ تسرى منهم، ونسبهم أن أم إسماعيل ﵊ منهم. فأخبرني ابن لهيعة أن أم إسماعيل هاجر أم العرب من قرية كانت من أمام الفرما من مصر (٥) .
وقول ابن عبد الحكم: حدثنا عمر بن صالح، أخبرنا مروان القصاص، قال: صاهر إلى القبط ثلاثة أنبياء: إبراهيم ﵊ تسرى (٦) هاجر،
_________
(١) فتوح مصر ٣.
(٢) في الأصول: "اليافعي" وصوابه من فتوح مصر.
(٣) فتوح مصر ٣، ٤.
(٤) في الأصول: "عفرة" تحريف، صوابه من تقريب التهذيب ٢: ٦٥، وهو عمر بن عبد الله المدني. قال ابن حجر: "ضعيف"، وكان كثير الإرسال.
(٥) فتوح مصر ٤.
(٦) فتوح مصر: "تسرر".
1 / 13
ويوسف ﵊ تزوج بنت صاحب عين الشمس، ورسول الله ﷺ تسرى مارية. وقال: حدثنا هانئ بن المتوكل، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن قرية هاجر ياق (١)، التي عند أم دنين (٢) .
وأخرج الطبراني عن رياح اللخمي، أن النبي ﷺ قال: "إن مصر ستفتح فانتجعوا خيرها، ولا تتخذوها دارًا؛ فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارًا". وفي إسناده مطهر بن الهيثم، قال فيه أبو سعيد بن يونس: إنه متروك. والحديث منكر جدًا، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات.
وأخرج مسلم، عن أبي هريرة ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم" (٣) .
وأخرج الإمام الشافعي ﵁ في الأمم، عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجُحفة.
وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب؛ أن المقوقس أهدى إلى النبي ﷺ عسلًا من عسل بنها، فأعجب النبي ﷺ، فدعا في عسل بنها بالبركة. مرسل حسن الإسناد (٤) .
وأخرج ابن عبد الحكم، عن عمر بن الخطاب ﵁، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا فتح عليكم مصر؛ فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛
_________
(١) في الأصول: "باقية" تحريف؛ صوابه من فتوح مصر ومعجم البلدان.
(٢) فتوح مصر ٤.
(٣) صحيح مسلم: ٢٢٢. والمدى: مكيال.
(٤) انظر فتوح مصر ٤٨.
1 / 14
فذلك الجند خير أجناد الأرض"، فقال أبو بكر: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة".
وأخرج ابن عبد الحكم، عن علي بن رباح، قال: خرجنا حجاجًا من مصر، فقال له سليم بن عتر: اقرأ على أبي هريرة السلام، وأخبره أني قد استغفرت له ولأمه الغداة، فلقيته فقلت له ذلك، فقال: وأنا قد استغفرت له ولأمه الغداة. ثم قال أبو هريرة: كيف تركت أم خنور؟ (١) قال: فذكرت له من خصبها ورفاغتها، فقال: أما إنها أول الأرضين خرابًا، وعلى أثرها إرمينية. قلت: أسمعت ذلك من رسول الله أو من كعب؟
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس، وأورده القرطبي في التذكرة من حديث حذيفة مرفوعًا: ُ"يبدو الخراب في أطراف البلاد حتى تخرب مصر، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة، وخراب البصرة من العراق، وخراب مصر من جفاف النيل، وخراب مكة من الحبشة، وخراب المدينة من الجوع، وخراب اليمن من الجراد، وخراب الأيلة من الحصار، وخراب فارس من الصعاليك، وخراب الترك من الديلم، وخراب الديلم من الأرمن، وخراب الأرمن من الخزر، وخراب الخرز من الترك، وخراب الترك من الصواعق، وخراب السند من الهند، وخراب الهند من الصين، وخراب الصين من الرمل، وخراب الحبشة من الرجفة، وخراب العراق من القحط".
وأخرج الحاكم في المستدرك عن كعب، قال: "الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب إرمينية، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من
الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة، ولا تفتح مدينة الكفر حتى
_________
(١) أم خنور، هي مصر، قاله ياقوت.
1 / 15