أن طريقتنا التي توجب كتابة كل كلمة قائمة بذاتها من أسماء ظاهرة وضمائر وصفات وظروف وحروف، وعدم وصل كلمة بأخرى إلا عند التعذر كما سبق البيان، وأن يكون رسم كل كلمة مستوفيا صورته اللغوية الوضعية، وأن يكتب الحرف الأول من الأسماء وحدها بخط كبير (في كتب الهجاء والتمرين للأطفال فقط)، هذه الطريقة فيها كل تسهيل للتعليم والتعلم؛ إذ المبتدئ بمجرد نظرة يلقيها على النص المكتوب يدرك الاسم ويدرك الضمير ويدرك الظرف ويدرك كل حروف المعاني التي اعتادها، فتضيق الدائرة التي يبحث فيها عن الفعل وعن المصادر والصفات، وهي فائدة لا تخفى على أحد. (و)
إن المعلمين ليخدعون أنفسهم عندما يصححون ورقة الإنشاء الذي هو أهم ما يقصد من التعليم، ذلك بأن التلاميذ لا يستعملون الشكل، بل يكتبون الكلمة محتملة لأوجه مختلفة من الأداء؛ فالمعلم يقرؤها على الوجه الصحيح، فيظن أن التلميذ كتبها على هذا الوجه، وغالبا ما يكون هذا غير موافق للواقع من نية التلميذ. فإذا كتب التلميذ فعل «ظفر يظفر» من غير شكل فإن المعلم يقرأه على هذا الوجه الصحيح (المشكول هنا)، ولو أنه سأل التلميذ قراءته فغالبا ما يقرؤه «ظفر يظفر أو يظفر» على هذا الوجه غير الصحيح. لكن الأستاذ لا يسأل أحدا من تلامذته قراءة ورقة الإنشاء. وهذا كتم للدم على القبح. أما لو أن كتابة التلميذ كانت بالحروف اللاتينية لما انخدع المعلم ولما بقي التلميذ قارا على خطئه. (ز)
بل كما يخدع التلميذ معلمه - بقصد أو بغير قصد - فإن رسم العربية الحالي ييسر لكثير من الكتاب أن يعيشوا بجهلهم على حساب سلامة نية القراء؛ فبعض من يضعون مقالات ويرسلونها - مثلا - إلى الأستاذ أنطون الجميل بك لنشرها في جريدة الأهرام التي يديرها، إذا هم كتبوا فعل «ظفر» ماضيا أو مضارعا كما كتبه التلميذ، فإن حضرة أنطون بك يقرؤه صحيحا كما يقرؤه المعلم، ويظن أن نية محرر الرسالة عند الكتابة إنما هي تعمد الوجه الصحيح. فيستمر محرر الرسالة على جهله لأن المدير في الغالب لا يراه ولا يلاحظ له على رسالته شيئا. لكن لو أن الكتابة هي بالحروف اللاتينية لألقى كل كاتب باله لما يكتب؛ لأن خطأه يكون بارزا يلحظه مدير الجريدة وغيره عند القراءة ويقدر درجة علمه بالأوضاع العربية أو جهله بها. وإلقاء البال مفيد جدا في تعويد الكتاب أوضاع الفصحى ومفيد في تعميمها. (ح)
أن الطفل متى انتهى في زمن وجيز - بسبب الحروف اللاتينية - إلى صحة القراءة، توافر له الزمن ولو للعب وتنمية جسمه. ومتى شب وقراءته صحيحة استفرغ مجهوده للعلم دون سواه. وهذه مزية كبرى. (ط)
أن هذا الطفل متى تعود من صغره صحة النطق بالألفاظ العربية أصبحت هذه الصحة عادة له في كتابته وقراءته، وامحت من خلايا مخه الأوضاع الخاطئة، وأصبح ينكر كل خطأ منها ويعده شذوذا. وهذه من أكبر المزايا المرقية للعربية والداعية لتعميمها. (ي)
أن بلاد العربية بسبب موقعها الجغرافي وكونها الممر الطبيعي بين الشرق والغرب، وزيادة طرق المواصلات العالمية، وعدم إمكان إغلاق حدودها أبدا دون الأجانب، لا بد لأهلها من تعلم لغة من اللغات الأجنبية الحية حتى يسايروا غيرهم من الأمم وينقلوا عنهم ما عندهم من العلوم والفنون والصناعات التي تيسر سبيل الحياة. وهذه حقيقة أدركتها مصر وغيرها، فلا تخلو بلد منها من تعليم لغة أجنبية كالإنجليزية أو الفرنسية، بل وكالإيطالية والألمانية وغيرها - على التوزيع - في معظم مدارسها. فالطفل الذي يتعلم العربية على الطريقة التي نقترحها يسهل عليه جدا سرعة تعلم أية لغة من تلك اللغات الحية؛ وذلك بسبب توحيد أشكال الحروف بينها وبين العربية، وعدم وجود ثنائية
11
في هذه الحروف وفي طريقة الكتابة تتعب الطفل وتوقعه في الارتباك، كما نشاهد جميعا في أطفالنا الذين يتعلمون لغة أجنبية مع العربية في آن. (ك)
طريقة الحروف اللاتينية تسهل قراءة الأعلام الأجنبية والكلمات المعربة، ومنها الاصطلاحات العلمية وهي كثيرة، وتسهل على الأخص ما كان من تلك الكلمات والمصطلحات فيه جزء من أصل يوناني أو لاتيني؛ إذ هي تعين على فهم معناها فهما صحيحا بفهم ذلك الجزء اليوناني أو اللاتيني القديم. وهذه ميزة من أكبر الميزات؛ فكلنا يعلم أن كتابة تلك الأعلام والمصطلحات بالرسم العربي تنكر المعنى وتشوه طريقة أداء الأصل بحسب ما يؤديه به أهله المنقول هو عنهم. (ل)
من مزايا هذه الطريقة أنها تسهل على الأجانب تعلم العربية، وقد تمنعهم من تشويه أعلامنا وتنكيرها علينا، نحن أهل العربية، كما شوهوا أسماء: محمد وابن سينا وابن رشد والقاهرة مثلا، فجعلوها «مهمت، أفيسين، أفيرويس، كيرو أو كير.» ولا شك أن للعربية ولأهلها مصلحة كبرى في نشرها بين الأجانب، كما أن لها ولهم مزية كبرى في عدم تشويه أسماء رجالها العظام وتنكيرها هي والأعلام الجغرافية وغيرها، لدرجة أن قارئها منا بلغتهم لا يفهم غالبا حقيقة علمنا المشوه. (م)
صفحة غير معروفة