كان هذا هو الطريق الذي ظلت تقطعه لسنوات عند ذهابها للمدرسة، وحتى عندما التحقت بالجامعة، وكانت تأتي للمنزل في زيارات، ظلت كما هي؛ فتاة تذهب للمدرسة. سأل أحدهم سام ذات مرة عند فوزها بجائزة الترجمة اللاتينية التي تجرى بين الكليات قائلا: «ألن تنهي ذهابها للمدرسة؟» ورد هو قائلا: «أخشى ألا تفعل.» كان يقص تلك القصة عن نفسه، وكان لا يرغب أبدا في أن يقص أمر تلك الجوائز على أحد، كان يترك سارة تفعل ذلك، بالرغم من أن سارة كانت تنسى السبب الذي منحت الجائزة من أجله.
وها هي الآن قد تحررت؛ تدفع برضيعتها أمامها كأي امرأة أخرى، تهتم بأمر صابون الحفاضات؛ فهي ليست رضيعتها فحسب، بل ثمرة عشقهما غير المكلل بالزواج. كانت في بعض الأحيان تتحدث بهذا الأسلوب عن بينيلوبي مع إيريك فحسب. كان يأخذ كلامها على أنه مزحة، كانت هي ذاتها تقوله كمزحة؛ لأنهما بالطبع يعيشان معا، وقد عاشا معا لبعض الوقت، ويعتزمان أن يظلا معا. وحقيقة أنهما غير متزوجين لم تكن تعني له الكثير، على حد علمها هي، بل إنها هي ذاتها كانت تغفلها في بعض الأحيان، ولكن بين الحين والآخر؛ وخاصة الآن وهي في بلدتها، فإن حقيقة عدم زواجها تمنحها بعض الشعور بالاستقلالية؛ نفحة قليلة من السعادة لا تفهم كنهها. •••
قال سام: «إذن، لقد خرجت إلى الشارع اليوم؟» (هل كان دوما يقول الشارع؟ جولييت وسارة تقولان المدينة!) ثم تساءل: «أرأيت أحدا تعرفينه؟»
قالت جولييت: «كان علي الذهاب إلى الصيدلية؛ لذا تحدثت إلى تشارلي ليتل.»
دار هذا الحوار بينهما في المطبخ، بعد أن تجاوزت الساعة الحادية عشرة ليلا، وقد قررت جولييت أن هذا هو أفضل وقت لإعداد زجاجات رضاعة بينيلوبي لليوم التالي.
قال سام: «تشارلي الصغير»، وكان لا يزال متمسكا بتلك العادة التي لم تكن تذكرها، وهي مناداة الأشخاص بأسماء التدليل التي أطلقت عليهم أيام الدراسة، وأردف قائلا: «هل أعجبته ابنتك؟» «بالطبع.» «ربما كثيرا.»
كان سام يجلس قبالة المائدة، يحتسي بعضا من الويسكي، ويدخن سيجارة، وكان تناوله للويسكي شيئا جديدا. كان والد سارة مدمنا للخمر - غير أنه لم يكن مدمنا بلا مصدر للرزق؛ لأنه استمر يمارس عمله كطبيب بيطري، لكنه كان يتسبب في إحداث الذعر بالمنزل بصورة جعلت ابنته تفزع من تناول الخمر - لذا فإن سام لم يعتد على احتساء الكثير حتى من الجعة أو على الأقل في المنزل على حد علم جولييت.
كانت جولييت قد ذهبت إلى الصيدلية؛ لأنها المكان الوحيد الذي يمكن ابتياع صابون الحفاضات منه. لم تكن تتوقع أن ترى تشارلي هناك بالرغم من أنه متجر عائلته، وآخر ما سمعته عنه، هو أنه سيصبح مهندسا. وذكرت له ذلك عندما رأته اليوم، ربما بأسلوب خال من الكياسة، لكنه كان سلسا ولطيفا عندما أخبرها بأن الأمر لم ينجح. كان قد اكتسب بعض الوزن عند منطقة الوسط، وقلت كثافة شعره، وفقد بعضا من تموجه ولمعانه. حيا جولييت بحرارة، مبديا بعض الإطراء والتملق لها وللطفلة؛ مما أربكها لدرجة أنها شعرت ببعض الحرارة التي انبعثت من وجهها ورقبتها، وسال منها بعض العرق طيلة الوقت الذي تحدث فيه إليها. في المدرسة الثانوية، لم يكن لديه وقت من أجلها؛ فيما عدا أنه كان يحييها تحية مهذبة؛ حيث إن أسلوبه كان دوما لطيفا محبوبا. كان يرافق أكثر الفتيات جاذبية في المدرسة، وهو الآن متزوج من واحدة منهن، وذلك كما أخبرها؛ وهي جيني بييل، ولديهما طفلان؛ أحدهما في عمر بينيلوبي، والآخر يكبرها. كان هذا هو السبب - كما قال لها بصراحة بدت أنها نابعة من موقف جولييت المشابه - الذي جعله لم يستكمل دراسته ليصبح مهندسا.
والآن استطاع أن يحصل على ابتسامة، ثم ضحكة عالية من بينيلوبي، ثم تحدث مع جولييت كأب مثلها؛ شخص في نفس مستواها. انتابها شعور أبله بالسرور وبإشباع غرورها، لكن ثمة أمرا آخر جذب انتباهها أكثر من هذا؛ وهو نظرته الخاطفة إلى يدها اليسرى التي لا يزينها أي خاتم، وتندره بشأن زواجه. وكان هناك شيء آخر، لقد أطرى عليها ومدحها، بأسلوب خفي؛ ربما لأنه يراها الآن امرأة مكتملة الأنوثة ولا تخجل من ثمرة ارتباطها غير الشرعي. جولييت التي كانت من بين كل الأشخاص الطالبة الخرقاء.
سأل عندما انحنى يتطلع إلى بينيلوبي: «هل تشبهك؟»
صفحة غير معروفة